العناوين الرئيسيةبالمشرمحي

السوريون مُتَوَتِّرون من دون توتر عالي

كثيرون منكم يعرفون أن “أديسون”، أنار الله دربه، اكتشف عشرة آلاف طريقة لعدم اشتغال “اللمبة”، لكنني متأكد أنه لم يخطر في باله أن يأتي يوم ويسبقه القائمون على تيارنا الكهربائي باكتشاف مليون طريقة لعدم وصل التيار.

كنا نرضى بـ”كل سبعة بلمعة” لكنها على ما يبدو باتت “موضة قديمة”، ونأت توتُّراتنا العالية أن ترضى بها، إذ بات العمل الآن على أسلوب “بتلمع متل الحلم”، هذا إذا لمعت بالأساس.

وبدل 220 فولط فإنهم نكاية بـ”ألساندرو فولتا” لا يزيدوها عن 150 إلا بشق الأنفس، لدرجة أن ضوء الشمعة أقوى بعدة مرات من النيون، هذا إن حالفه الحظ واشتعل.

والأنكى أنهم يلعبون بشدّة الأمبيرات جكراً بـ”آندريه ماري أمبير”، بحيث يصبح الموضوع أشبه بلعبة شد الحبل، فـ”تشرقط” الأسلاك وترقص رقصاً، كأنها ألعاب نارية.

وتزداد عصّة القبر شتاءً مع تمدُّد التقنين لساعات قد تصل إلى أكثر من 15 ساعة متواصلة، وكأن “عامل القاطع” دخل في غيبوبة، وفي مثل هذه الحالات لن تستطيع أن تشحن لا موبايلك ولا لابتوبتك ولا بطارية “ليدَّاتك”، و”شو بدو يحكي الواح ليحكي الواح”.

وفوق ذلك تأتي التصريحات الحكومية لتزيد الطين بلّة، فمرة “سيكون الشتاء مريحاً”، وأخرى “هناك نقص فيول”، وثالثة “سنترك تقدير الحالة لكم أعزائي المواطنين”، وكأنهم تأثّروا بالتوتر الكهربائي، فَوَتَّروا عيشتنا وسوَّدوها.

وفي مجابهة هذا الواقع المرير لم يبق أمام السوريين سوى تأليف النكت، كأن يقول أحدهم: “تربَّينا في بيت لا تأتي فيه الكهرباء، لذلك كبرنا وصرنا مو شايفين حدا قدَّامنا”، بينما الثاني وصل لاستنتاج خطير بأن “المرأة كالكهرباء إن أحسنت استخدامها أنارت لك حياتك، وإن أسأت معاملتها كَهْرَبَتْ أهلَ أهلِك”.

ومن النكت أيضاً أن سورياً دخل إلى كهب وأحبَّ أن يَسمع صدى صوته، فصرخ “أجت الكهربا”، ليرد عليه الصدى: “ع السريع شحان الموبايل واللابتوب والبطارية”، بينما أعلنت إحدى الفتيات أنه تم استبدال قسم هندسة الكهرباء بهندسة الشموع…

في ظل هذا الوضع، تحوَّل البرَّاد إلى “نملية”، والأجهزة الكهربائية إلى مُجرَّد ديكور، وبعضها بات خارج الخدمة بـ”رفّة كهرباء واحدة”، هذا إن لم تُفحِّم بعدما التصق “البارد بالحامي” صدفةً، كل ذلك يدفعك لنسيان الحضارة من أساسها، والمطالبة بتوزيع ليترين كاز كل أسبوع على البطاقة الزكية بغية العودة إلى “اللوكس” الجليل.

وفيما يخص دراسة الأولاد وواجباتهم، فما عليكم سوى الاقتناع بالتحليل “التحشيشي” التالي: “إذا كان العلم نور، والنور كهرباء، والكهرباء خطر، فإن العلم خطر”، أو بإمكانكم البكاء على ما آلَ إليه حاضرنا ومستقبلنا معاً.

أما موضوع التدفئة بواسطة الوشائع الكهربائية، فإنها باتت نسياً منسياً، أو في أحسن الأحوال فإن “الدّفّاية” غير قادرة على تدفئة هيكلها المعدني لضعف التيار.

وكأن علاقتنا بالتيار الكهربائي هذه الأيام باتت علاقة متوتِّرة في أقسى درجات التَّوتُّر، فلا هو يقربنا، ولا نحن نملك السبيل للاقتراب منه، بحيث بتنا متوتِّرون من دون توتُّر عالي.

بديع صنيج- تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى