فلاش

83 شمعة “ندرتها” السيدة فيروز لتبقى “حَدْنَا”

شمعة واحدة تلك التي عقدت العزم صاحبة رحلة السبعين عاماً من نثر الحب على أن تنذرها لتبقى بجوار الحبيب يوماً ما في إحدى أغنياتها، لتوقد في المقابل قلوب الملايين، وليذرف أولئك الملايين دمعات كثيرة من الفرح والشوق والجمال والمحبة.

هي التي اتخذت من المحبة التي لم تخلُ منها حتى أقصر ترانيمها معتقداً، كيف لا وهي الأسطورة التي عبرت 83 عاماً من العمر، بينما بقيت الفتاة العشرينية “هي هي” في القلوب والعقول والخيالات، عبر 800 أغنية وأكثر.

فيروز بوجهها ذي القسمات الهادئة على النقيض من حبالها الصوتية التي جمعت الكثير من الهدوء والصخب والتوق إلى التحرر والشغف والفرح والحزن لتحصد عبرهم ألقاباً كثيرة تطول قائمتها لكن لا حاجة لبذل الجهد فهي “فيروز”.

ربما من غير المنطقي أن يُستَهل توثيقاً عنها بالسؤال، من هي فيروز؟ لكن ولأن هناك “ضرورات” تقتضي ذلك.. يكون السؤال ماذا تعرف عن فيروز ؟

هي نهاد حداد أو كما يعرفها الجميع في الوطن العربي والعالم “فيروز”، وُلدت في 21 تشرين الثاني 1935 في حي زقاق البلاط في بيروت، والدها وديع حداد كان يعمل في جريدة لبنانية، والدتها ليزا البستاني، وتزوجت فيروز عاصي الرحباني، أبناؤها زياد وريما وليال وهالي الرحباني.

غنّت السيدة فيروز الأغنية الشعبية، والقصائد، والموشحات، والأغاني مقتبسة الألحان من الموسيقى الغربية، وكانت أغنياتها أحد أهم أسباب رواج اللهجة اللبنانية على مستوى العالم العربي، علماً أنها غنت أيضاً باللهجة المصرية التي سادت الفن في تلك الفترة.
ولحن لفيروز كبار الملحنين في عصرها، ومن أهمهم: سيد درويش، والأخوان رحباني، ومحمد عبد الوهاب، وفيلمون وهبة.

السفيرة “فيروز” .. وبدء البعثة نحو النجوم
ابتدأت فيروز الغناء سنة 1940 مع كورال في الإذاعة اللبنانية، اكتشفها الموسيقار محمد فليفل وحوّلها إلى فريقه الذي كان ينشد الأغاني الوطنية، وأول من لحن لها حليم الرومي مدير الإذاعة اللبنانية، قبل أن يتعرف عليها عاصي الرحباني سنة 1952 الذي خطت معه أول خطوة نحو النجومية والشهرة.

“ياسمينة الشام” و جوانحها المقصوصة فيها
“فيروز في دمشق.. محدودية الأماكن تؤرّق السوريين”، هذا أحد العناوين، أو بما معناه” الذي تصدر “مانشيت” صحف سورية وعربية حينها.

ومن ناحية أخرى ومما قاله منصور الرحباني نقلاً عن مواقع: “هناك أغنيات لفيروز صدرت من بيروت و كانت سيئة البث لكنها شاعت من إذاعة دمشق وجعلت لنا جمهوراً واسعاً ورصيداً شعبياً و صداقاتٍ غالية”.

“شام ياذا السيف، مر بي، أحب دمشق، بالغار كللت، ياشام عاد الصيف، سائليني… وأكثر، لم تقتصر الجمالية الدمشقية- الفيروزية على مجرد التعاون لتقديم أعمال الرحابنة الغنائية في الإذاعة، بل امتدت لتشكل انسجاماً فنياً وثقافياً، وراح صوتها حينها على سبيل “الفكاهات” ليأخذ اعتبارات “تصديرية” ضمن الاتفاقات التبادلية بين سوريا ولبنان.

و رافق الانطباع الدمشقي و”تحزبه” الفيروزي “المعرض الدولي الدمشقي”، إذ تقول ياسمينة الشام: كما نقلت مواقع عنها، “كلما سمعت فاصلاً من موشحاتي تذكرت دمشق و جمهورها في المعرض الدولي بحرارته و دفقه، ينتهي برنامج الحفلة و لا يقبل الجمهور بنهايته”.

حفلات عربية وعالمية .. القدس تستقبل “جارتها”

زارت فيروز القدس عام 1964 لترتل في المدينة الخالدة في مناسبة زيارة البابا للقدس، كما قام، حينها، إميل الخوري وخير الدين الحسيني، نائبا القدس بزيارة إلى بيروت ليسلما فيروز في مؤتمر صحفي مفتاح خشبي للقدس من خشب شجر الزيتون المقدس.

كما زارت البحرين والكويت، والإمارات، وأبوظبي والشارقة ودبي وقطر والعراق والأردن ومصر والمغرب والجزائر وتونس واليونان وفرنسا وبريطانيا وأمريكا وأكثر من ذلك بكثير من بلدان حول العالم التي أفرحت جماهيرها وأبهجت قلوبهم.

فيروز خارج القوائم والتصنيفات
غنّت السيدة فيروز في أشهر القاعات والمسارح العالمية مثل مسرح الأولمبيا في باريس وقاعة ألبرت الملكية في لندن وقاعة كارنيجي في نيويورك ومركز جون كنيدي للفنون التمثيلية في واشنطن.

ونشرت مجلة “فوربس” العالمية في عددها الصادر في تموز الماضي قائمة “للنجوم العرب على الساحة العالمية”، وضعت فيها السيدة فيروز في مرتبة فريدة من نوعها فوق التصنيف وهي مرتبة “أعظم نجوم الفن لكل العصور”.

النقاد و”الثورة الفيروزية” في الموسيقى العربية
السيدة فيروز التي لم تغنِ حيثما أو كيفما، قدمت مئات الأغاني التي وصفها النقاد بأنها أحدثت ثورة في الموسيقى العربية واتسمت ببساطة التعبير وقصر المدة على عكس الأغاني العربية السائدة في تلك الفترة، إضافة إلى تنوع المواضيع، إذ غنت فيروز للأطفال، والوطن والأم والقضية الفلسطينية إلى جانب أغاني الحب.

كما يرى النقاد أن رحلة فيروز الحقيقية نحو النجومية بدأت عام 1952 إذ كانت انطلاقتها عندما بدأت الغناء لعاصي الرحباني، وبدأت شهرتها في العالم العربي منذ ذلك الوقت، وكانت أغلب أغانيها آنذاك للأخوين رحباني عاصي ومنصور.

فيروز الممثلة “الخجلى”
رغم ماعرف عن فيروز بأنها ممثلة خجولة، لكنها بخطوات واثقة، قدمت عدداً كبيراً من أغانيها ضمن مجموعة مسرحيات من تأليف وتلحين الأخوين رحباني وصل عددها إلى خمس عشرة مسرحية ومنها أفلام تنوعت مواضيعها لتشمل نقد الحاكم والبطولة والحب.

كان من أشهرها (بياع الخواتم، وميس الريم، وأيام فخر الدين، وهالة والملك)، وكان آخر ظهورٍ لفيروز على المسرح في العام 2011 في مسرحية “صح النوم”.

“شاعرة الصوت” وشعراء الكلمة
غنّت فيروز لكثير من الشعراء العرب القدامى والمحدثين، بدءاً من قصائد الأخطل الصغير وجرير وعنترة بن شداد وأبي نواس، وصولاً إلى إيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران ونزار قباني.

في المقابل، عبر كثير من الشعراء عن نزعتهم الفيروزية، كنزار قباني الذي كان رأيه واضحاً حين قال عنها “إن صوت فيروز أجمل صوت سمعته في حياتي، وهو نسيج وحدة الشرق والغرب”.

كما كتب أنسي الحاج في سنة 1970 مقالة عن فيروز يقول فيها “في حياتنا لا مكان لفيروز، كل المكان هو لفيروز وحدها، فأنا أركع أمام صوتها كالجائع أمام اللقمة”.

ومما قاله الشاعر المصري صلاح عبد الصبور عنها بعد لقاء فني وأدبي: “ثلاث ساعات لم تنطق فيها فيروز إلا ثلاث كلمات ونحن جميعاً ننشد الشعر بالدور ونتحدث عن الموسيقى والغناء ونقارن بين صوت سيد درويش وصوت وديع الصافي، وهي شاعرة الغناء لا تتكلم”.

و رغم أنها لم تغنِ للشاعر الفلسطيني محمود درويش إلا أن ذلك لم يقلل من رأيه فيها حيث قال عنها “إن صوت هذه الفنانة هو ظاهرة طبيعية فمنذ 25 سنة وبعد ماريا أندرسون لم تر الريو دي جانيرو صوتاً كصوت هذه اللبنانية”.

ملكة الأغنية والمسرح “بألوان الملائكة”
بجانب مكانتها الفنية فإن “جارة القمر” كانت دائماً تحرص على الظهور بإطلالات مميزة وتختار الفساتين بعناية فائقة للظهور في المناسبات العامة أو الحفلات على خشبة المسرح، تطل بتصميمات غاية في الروعة جعلت منها “ملكة المسرح” وملكة الأغنية كما عودت محبيها.

فإذا تأملنا في إطلالات فيروز خلال حفلاتها المختلفة سنجد اختيارات أنيقة مختلفة لا ينافسها فيها أحد، وألوان مميزة تطل بها على جمهورها، و دائماً ما كانت تظهر بألوان فاتحة وتفضل اللونين الأبيض والـ”بيج”.

وتميزت ملكة المسرح باختيار تصميمات تطغى عليها “رائحة التراث اللبناني” فتجد في أزيائها ملامح كثيرة للقفطان أو النظام الفضفاض للفساتين، ما أضاف سبباً إلى قائمة أسباب ظهورها وبقائها في العقول والقلوب.

ونقلت مواقع عن خياطتها “بدوّع” أنها أكدت أن “فيروز كانت تغير في موديل الفستان الواحد أكثر من مرة، حيث كانت تفضل القصات الواسعة، وأنها محبة اللون الأسود وكان الفيروزي هو الأحب إلى قلبها”.

كما أكدت المصممة “بابو لحود”، أنها “كانت تركز في تصميم الفساتين على أن يبدو كأثواب الملكات، بالإضافة لتفضيلها الأسلوب البدوي أو الغجري، وكرهها لارتداء المجوهرات المزيفة”، بحسب عدة مواقع.

فيروز المُرتقية عن السياسية
اللافت و المميز أن فيروز ظلت تحافظ على التفريق بين نوازعها الفردية والشخصية والخاصة، من جهة، و”حيادية” صورتها العامة والفنية، من جهة ثانية.

كان الصمت والترفع عن القضايا السياسية حاميَين لها كي تبقى أيقونة في ضمير الجميع، وهذا ما حصّنها من محاولات مصادرتها أو استتباعها، في الوقت الذي كانوا جميعاً يتحاربون فيه تحت فضاء أغنياتها.

أوسمة وجوائز وميداليات حول العالم “وقليل عليها”
حصدت السيدة فيروز على مدار حياتها الفنية العديد من الجوائز والأوسمة، وحصلت على وسام الاستحقاق اللبناني من الرئيس “كميل شمعون” عام 1957 وهو أعلى وسام في الدولة، ووسام الأرز عام 1962، ووسام الاستحقاق اللبناني.

كما حصلت على ميدالية الكرامة عام 1963 من الملك حسين، ووسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى، إضافة إلى المفتاح الخشبي للقدس عام 1946.

وفي عام 1988، حصلت فيروز على وسام جوقة الشرف الوطني الفرنسي ووسام الثقافة الرفيعة من تونس، وجائزة القدس من فلسطين عام 1997م، وفي عام 1975م تم إصدار طوابع بريدية تذكارية عليها صورتها تكريماً لها، كما تم منحها الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية ببيروت لتصبح أول مطربة تحصل على هذا اللقب.

كما رشحها الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران لنيل وسام الجمهورية الفرنسية للثقافة والفنون، وهو أرفع وسام ثقافي في فرنسا، كما نالت العديد من الأوسمة العالمية في الكثير من الدول الأخرى.

رغم الانقطاع دفء “شمس الشموسة” يغمرنا
فيروز الدافئة ونورها “الحلو”، ماغادرا الطلوع تماماً، حيث شعّ وهجها مؤخراً على ركام بعضٍ من حرب وبؤس، لتدعو “إلى متى يارب” عبر ترنيمة للقدس، في أيار الماضي بالتزامن مع الإجراءات الأمريكية الأخيرة، وهو من فكرة وإنتاج وإخراج ريما رحباني، ابنتها.

وظهرت السيدة فيروز حينها وهي تؤدي هذه الأغنية-الترنيمة من داخل كنيسة أرثوذكسية، بثوب أسود في الكليب، واضعة غطاء على رأسها وخلفها صورة للسيد المسيح، فيما ظهرت في الكليب مشاهد تروي قصة النضال الفلسطيني ومعاناة أهل الأرض.

روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى