العناوين الرئيسيةثقافة وفن

15 عاماً على رحيل “البدوي الأحمر”.. محمد الماغوط الثائر الساخر

“لك عم تضحك بدل ما تصرخ.. نعم سيدي عم اضحك شنو بلا معنى الكهربا وصلت لقفايي قبل ما توصل لضيعتنا”.

ظن محمد الماغوط حين كتب مشهد “التحقيق” من مسرحية “كاسك يا وطن” عام 1979 أنه يسلط الضوء على مأساة المواطن البسيط مع الحكومات كي يُصار لحلها دون أن يدري أنه وبعد قرابة النصف قرن لن يتغير شيء وسيصبح الأفق أضيق.

ولد الأديب السوري في مدينة السلمية بمحافظة حماة عام 1934 حيث نشأ في عائلة شديدة الفقر وكان أبوه فلاحاً بسيطاً يعمل أجيراً في أراضي الآخرين طوال حياته.

ودرس الماغوط بادئ الأمر في “الكتّاب” ثم انتقل إلى المدرسة الزراعية بالسلمية حتى أتم فيها دراسته الإعدادية وانتقل بعدها إلى دمشق ليدرس في الثانوية الزراعية بثانوية “خرابو” بالغوطة لكن فقره الشديد أجبره على ترك المدرسة والعودة إلى السلمية.

وسيطر في تلك الفترة حزبين على الساحة السياسية السورية هما حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي الذي فضل الماغوط الانتساب إليه كونه قريب من بيته ويوجد به مدفأة بحسب ما نُقل عنه.

قدم الماغوط باكورة قصائده وهي قصيدة شعرية بعنوان “غادة يافا” التي تم نشرها في مجلة “الآداب” اللبنانية والتحق في عام 1951 بالخدمة العسكرية وكتب أول قصيدة نثرية له بعنوان “لاجئة بين الرمال” ونشرها في مجلّة “الجندي”.

ولم يدم انتماء الماغوط الحزبي طويلاً فقدم طلب سحب عضويته في الستينات بعد أن سُجن في سجن المزة على أثر قضية اغتيال عدنان المالكي الذي تم اتهام “القوميين” بها حينها ليلتقي هناك بالشاعر أدونيس.

واضطر الماغوط بعد خروجه من السجن للهرب إلى لبنان بطريقة غير شرعية وذلك بعد أن أصبح مطلوباً في عام 1958 من قِبل الجمهورية العربية المتحدة بعد قيام الوحدة بين سوريا ومصر وهناك التحق بجماعة مجلة “شعر” بمساعدة أدونيس.

وأفاد الماغوط حول مجموعة “شعر” أن “كنا مجموعة من الحفاة فكرياً وسياسياً وعاطفياً فاتجهنا إلى ساحة البرج في بيروت فجاء يوسف الخال ونصب لنا خيمة سمّاها مجلة (شعر) كانت هي الوسيلة التي حققت أمنياتنا لإيصال أصواتنا بصدق إلى الآخرين دون أي مكر سياسي كنت أكتب لأنجو لا تعنيني التسمية التي تطلق على ما أكتب شعراً أم نثراً أم نحتاً أم رقصاً”.

ونشأت في بيروت علاقة صداقة قوية بين الماغوط والشاعر العراقي بدر شاكر السياب وتعرف أيضاً على عدد من الأدباء منهم زوجته المستقبلية الشاعرة سنية صالح أخت زوجة أدونيس.

وعاد الماغوط إلى دمشق عام 1960 وله شهرة واسعة في سماء الأدب العربي خاصة بعد صدور مجموعته الأولى “حزن في ضوء القمر” عام 1959 ليُتبعها بمجموعته الثانية “غرفة بملايين الجدران” ثم دخل السجن مدة 3شهور وتزوج بعد خروجه من الشّاعرة سنية صالح وأنجب منها ابنتيه سلافة وشام.

وكتب الماغوط عدد من المسرحيات منها “المهرج” و”العصفور الأحدب” في ستينات القرن الماضي و”المارسلياز العربي” 1973 و”خارج السرب” في التسعينات.

وشكل الماغوط ثنائية مع الفنان دريد لحام صحبة فرقة “تشرين المسرحية” عبر تقديمهم سلسلة من الأعمال على خشبة المسرح مثل “ضيعة تشرين” 1974 و”غربة” 1976 و”كاسك يا وطن” 1979 و”شقائق النعمان” 1987 محاولين خلالها تقديم الواقع بأسلوب نقدي ساخر وبسيط.

واستمرت الشراكة بين الماغوط ولحام على صعيد التلفزيون من خلال مسلسلات “وين الغلط” 1979 و”وادي المسك” 1982 وفي السينما عبر فيلمي “الحدود” 1984 و”التقرير” 1987.

ونشر الماغوط أعمالاً أدبية أُخرى أغنت الأدب العربي عموماً والسوري على وجه الخصوص مثل ديوان “الفرح ليس مهنتي” 1970 ومسلسل “حكايا الليل” 1972 ورواية “الأرجوحة” 1974 وكتاب “سأخون وطني” 1987 و”سياف الزهور” 2001 و”شرق عدن غرب الله” 2005 و”البدوي الأحمر” 2006.

وعمل الماغوط في السبعينات من القرن الماضي رئيساً لتحرير مجلة “الشرطة” بدمشق و نشر فيها عدداً من المقالات النقدية تحت عنوان “الورقة الأخيرة” وساهم بتطوير صحيفة “تشرين” الحكومية إضافة لكتابته في مجلة “المستقبل” الباريسية من خلال زاوية “أليس في بلاد العجائب”.

وسافر الماغوط في الثمانينات إلى الإمارات العربية المتحدة وعمل بجريدة “الخليج” لكن تلك الفترة كانت من أصعب الفترات في حياته حيث فقد شقيقته ليلى عام 1984 ووالده أحمد عيسى 1985 وزوجته سنية صالح 1985 والتي تم إرسالها إلى باريس للعلاج على نفقة القصر الجمهوري وأخيراً وفاة أمه 1987.

ونال الماغوط جوائز عديدة في حياته تقديرا على إنجازاته منها: جائزة “احتضار” عام 1958 وجائزة” سعيد عقل” 1973 و جائزة صحيفة “النهار” اللبنانية 1961 وجائزة “سلطان بن علي العويس” الثقافية للشعر 2005.

كما تقلد الماغوط وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة عام 2005 بعد أن تم منحه إياه وفق مرسوم الرئيس بشار الاسد عدا عن تقلده وسام “الفاتح” الليبي في الثمانينات وميدالية المسرح التجريبي القاهرة عام 2000.

يذكر أنه الماغوط توفي يوم الاثنين 3 نيسان 2006 عن عمر يناهز 73 عاماً بعد تعرضه لجلطة دماغية في منزله بمدينة دمشق سبقه صراع طويل مع المرض ليخلد اسمه كواحد من أهم الأدباء على مستوى الوطن العربي خلال القرن العشرين.

جعفر مشهدية- تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى