العناوين الرئيسيةسوريين عن جد

عراب التجديد في المسرح السوري.. فواز الساجر شعلة إبداعية رحلت باكراً

“مع مجيئه، ولدت الرؤية المسرحية في المسرح السوري.. وحرر قدرة الممثل، ناقلاً المسرح السوري من مرحلة الإخراج المنفذ إلى الإخراج المبدع”، بهذه الكلمات وصف الراحل سعد الله ونوس المخرج المسرحي فواز الساجر خلال شهادة قدمها عنه بذكرى رحيله.

وُلد فواز الساجر عام 1948 في قرية من قرى منبج بحلب، لأسرة تعمل في مجال الزراعة ونال الشهادة الثانوية في الفرع الأدبي بتفوق عام 1965 من محافظة الرقة وعرف باندفاعه الكبير للقراءة والمطالعة وكان من الرواد الدائمين للمركز الثقافي العربي في منبج.

حصل عام 1966 على منحة دراسية من وزارة الثقافة السورية لدراسة الإخراج المسرحي في موسكو، ودرس هناك في معهد “غيتس” على يد “يوري زافانسكي” تلميذ “نيكولاي ستانسلافسكي” وتخرج من المعهد في عام 1972 وعاد إلى سوريا.

وتنقل الساجر في العمل المسرحي بين مسارح جامعتي حلب ودمشق حيث قدم أول أعماله في سوريا عام 1973 على خشبة المسرح الجامعي الذي ساهم بتأسيسه تحت عنوان “الضيوف لا يحبون الإقامة في هذا البلد” للكاتب الفلسطيني معين بسيسو.

ثم قدم مسرحية “حليب الضيوف” للكاتب المغربي أحمد الطيب العلج لصالح فرقة مسرح الشعب بحلب.

ولفت الساجر الأنظار إليه في دمشق بعد أن قدم عام 1975 مسرحية “نكون أو لا نكون” المبنية على نصوص مسرحية لكل من ممدوح عدوان ورياض عصمت وأوزوالد دراكون، مع فرقة المسرح الجامعي بدمشق حيث شارك هذا العرض باسم سوريا في الدورة 6 لمهرجان دمشق المسرحي.

واستمر الساجر بالعمل مع فرقة المسرح الجامعي بدمشق ليقدم عام 1976 مسرحية للكاتب المصري محمود دياب بعنوان “رسول من قرية تميرة للاستفهام عن مسألة الحرب والسلم” ليرسم الساجر وفرقته الجامعية من خلالها الخطوات الأساسية للمسرح الجامعي الذي كان يعج بالمواهب التي تحولت لنجوم لاحقاً.

وأسس الساجر رفقة شريك دربه سعد الله ونوس عام 1977 فرقة المسرح التجريبي التي أحدثت بصمة في مسيرة المسرح من حيث النصوص التي قدمتها والأسلوب الذي اتبعته في تطوير مفردات عمل الممثل.

وكان العمل الأول لفرقة المسرح التجريبي عرض “يوميات مجنون” عن نص للكاتب الروسي نيكولاي غوغول ثم في عام 1979 قدم الثنائي مسرحية “رحلة حنظله من الغفلة إلى اليقظة” عن نص اقتبسه سعد الله ونوس من الكاتب الألماني‮ بيتر فايس‮ وعرضت المسرحية في عموم سوريا وفي الكويت وألمانيا.‬‬‬‬‬‬‬‬

وفي عام 1978 أوفد الساجر إلى اليابان لمدة 6 أشهر للاطلاع على التجربة اليابانية في المسرح ليشتغل بعدها مسرحية الكاتب الألماني برتولت برشت “توراندوت مؤتمر غاسلي الأدمغة” إلا أنها مُنعت من العرض بيوم تقديم البروفة الجنرال.

وفي العام 1980 قدم مسرحية “ثلاث حكايات” عن ثلاثية الكاتب أوزوالد دراكون وهي “ضربة شمس وحكاية صديقنا بانشو والرجل الذي صار كلباً” وعُرضت في تونس.

وساهم فواز الساجر في تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق وعمل مدرساً فيه وقدم في العام 1981 عرض التخرج لطلبة الدفعة الأولى من قسم التمثيل وكان “سهرة مع أبي خليل القباني” للكاتب سعد الله ونوس.

وفي عام 1982 سافر إلى موسكو لدراسة الدكتوراه في المسرح وحضّر رسالته عن “الممثل في مسرح ستانسلافسكي” والذي نال عليها درجة الدكتوراه ليعود في العام 1987 إلى دمشق ويعيّن مدرساً لمادة التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية.

وقدم الساجر آخر مسرحياته على خشبة المسرح القومي عام 1988 بعنوان “سكان الكهف” للكاتب الأمريكي وليم سارويان لتشكل هذه المسرحية علامة فارقة بتاريخ المسرح السوري.

وحاول الساجر الخروج من كلاسيكيات العرض المسرحي باتجاه المسرح الحديث وخلق جيل جديد قادر على التخلص من المسرح الخطابي المباشر، متيقناً بأن الإمكانيات القليلة يمكن أن تبني فناً مسرحياً حقيقياً استناداً إلى جهود الفنان واطلاعه.

وعُرف الساجر بتذمره الدائم من ضيق الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية عموماً والتي تؤدي لضيق في المجال الإبداعي وهو ما انعكس ضمن مسرحياته حيث تميزت بقربها من الواقع وملامستها للخطوط الحمراء التي كان لا يعترف بها.

وتخرج على يد الساجر كبار نجوم سوريا اليوم مثل أبطال مسرحية “رسول من قرية تميرة” عباس النوري وندى الحمصي ونذير سرحان وفيلدا سمور وسلوم حداد وبسام كوسا ورشيد عساف، إضافة إلى طلاب آخرين كأيمن زيدان وغسان مسعود وفارس الحلو ودلع الرحبي.

يذكر أنه وجدت قصاصة ورق في حقيبة الساجر بُعيد وفاته في 16 آيار 1988 عن عمر يناهز 40 عاماً كُتب عليها “هذا هو عصر الضيق، أكلنا ضيق، شرابنا ضيق، مرتبنا ضيق، مضجعنا ضيق.. عالمنا ضيق، مصيرنا ضيق… موتنا ضيق، قبرنا ضيق… الضيق، الضيق! افتحوا الأبواب والنوافذ.. سيقتلنا الضيق! افتحوا الأرض والسماء.. سيقتلنا الضيق! افتحوا الكون.. سيقتلنا الضيق! الضيق.. الضيق”.

وكأن الساجر رفض إغلاق الستار على مسرحيته الأخيرة في هذه الحياة قبل ترك شيء من بعض إبداعه يحذر به من كل ما سيجري لاحقاً يتنبأ قبيل وفاته بأن الضيق بلغ الحد الذي لا يمكن العيش معه.

جعفر مشهدية- تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى