كاسة شاي

يوم كان التلفزيون العربي السوري “فيسبوك” السوريين الوحيد

ربما لم يكن في تصور من أطلقوا على التلفاز ذات يوم اسم “الشاشة الصغيرة” أن يأتي زمن تصغر فيه الشاشات أكثر، لتصل إلى حجم كف اليد، وتكون قادرة دون ” بريز” أو “أنتين” على عرض نفس المحتوى وأكثر.

على أن السوريين الذين، كغيرهم حول العالم، انتقلت حياتهم وأخبارهم لتصبح صورا وأحداثا على فيسبوك وغيره من المواقع، لازالت ذاكرتهم تحتفظ بتفاصيل تقول أن التلفزيون العربي السوري، ببرامجه المنوعة على مدار عشرات السنوات، كان يوما ما “فيسبوك” السوريين الوحيد.

ورغم الفارق الزمني بين ما يقدمه “فيسبوك” من أخبار وأحداث، وبين ما قدمته برامج التلفزيون السوري عندما كانت “الشاشة الأصغر”، لم يؤثر ذلك على رضى متابعيه عما قدمه، وينعكس ذلك في ما يبثونه من مشاعر الحنين اليوم وعبر “فيسبوك” إلى زمن لم يكن سريعا، بل كان جميلا بالإجماع.

فكان السوريون ينتظرون أسابيعا ليحظوا برؤية هدف تاريخي لأحد نجوم الرياضة، أو يعرفوا أن لاعبهم المفضل أصيب في أحد المباريات، وكان التلفزيون السوري يتكفل بنقل الحدث المنتظر عبر مجموعة برامج منها : “محطات رياضية”، الذي كان يبث كل ثلاثاء قبل نشرة الثامنة والنصف، ويقدمه الإعلامي “عدنان بوظو” الذي تحول اسمه إلى علامة فارقة في الذاكرة الرياضية لأجيال من السوريين.

ومن البرامج الرياضية أيضا برنامج “الأحد الرياضي” الذي كان مخصصا للمباريات الأرشيفية القديمة، ثم أصبح مخصصا لأخبار الدوريات الأوروبية وبخاصة الدوري الإنكليزي والألماني، ولا ننسى برامج “عالم الرياضة” و”مايطلبه الرياضيون” و” الرياضة حياة”.

وبديلا عن “شبكات أخبار المحافظات”، احتوت برامج التلفزيون السوري على برامج متخصصة، فكانت رسائل المحافظات التي كانت تعرض مقابلات وأخبار من المحافظات السورية المختلفة.

كذلك حلت الصفحات المخصصة لوزارة ما أو مهنة أو فئة من المجتمع، محل برامج مثل “بناة الأجيال” و”مع العمال” وأرضنا الخضراء” و الأيدي الماهرة”، وبرنامج “حماة الديار” المخصص للعسكريين، وبرنامج “مع الشبيبة” المخصص لمنظمة شبيبة الثورة .

ولازال السوريون يرددون على سبيل السخرية ” الجملة الشهيرة “ندمان يا ابني .. ندمان سيدي” التي تعود للمذيع علاء الدين الأيوبي في برنامج ” الشرطة في خدمة الشعب”، والذي كان يعرض الحوادث والجرائم التي تحدث في سوريا، باعترافات شخصية ممن ارتكبها.

والذي حلت محله كل أنواع الصفحات التي تتناقل بسرعة خارقة، كل هذه الأخبار على اختلاف أنواعها، والتي من الممكن ألا تكون صحيحة في أحيان كثيرة.

ولم تكن صورة المولود الجديد أوصورة يده، بعد أقل ساعة من ولادته، أو تغيير “حالة” أحدهم من عازب إلى خطب أو تزوج للتو، على صفحته الشخصية، هي من تجعلنا نعرف أخبار الناس، وتكفلت الإعلامية ماريا ديب بذلك طوال سنوات، عبر برنامجها الشهير “ما يطلبه الجمهور”، الذي كان يعرض مساء كل خميس قبل نشرة الأخبار.

وكان البرنامج يحظى بمشاهدة عالية حيث كان تقريبا البرنامج الوحيد المخصص لبث الأغاني العربية، التي يسبقها إهداء من أحد الأشخاص إلى أهله وأصدقائه، المسافرين أو الذين يحتفلون بمناسبة ما، عبر رسالة للبرنامج، مع طلب أغنية معينة من أغاني ذلك الزمن.

أما آخر أخبار النجوم والفنانيين، فكانت من اختصاص برنامج “مجلة التلفزيون” الذي بدأ بثه في السنوات الأولى من عمر التلفزيون السوري، وتتالى على تقديمه عدد كبير من المقدمين، وكان يبث مساء كل خميس بعد نشرة الثامنة والنصف، وكان يرصد الأعمال التلفزيونية الجديدة، أو يستطلع آراء المشاهدين بالبرامج التي بثها التلفزيون السوري خلال الأسبوع.

سبق آخر يسجل للتلفزيون السوري عبر برنامج ” طريق النجوم” الذي بث لموسمين متتالين، وكان نسخة مبكرة من برامج الهواة التي نشاهدها اليوم، وقّدمت فيه مواهب مختلفة من غناء وتقديم تلفزيوني وتقليد وتمثيل، وقدمه الإعلامي ياسر علي ديب والإعلامية عزة الشرع.

وتصدى لأخبار العلوم عدد من البرامج مثل “من الألف إلى الياء”، الذي قدمه الإعلامي “موفق الخاني “، وهو من أوائل البرامج التي عرضت على التلفزيون السوري وأكثرها استمرارا و برنامج “آفاق علمية” الذي كان يقدمه الدكتور طالب عمران، وكان مخصصا للظواهر الخارقة بأسلوب علمي رزين، وكان البرنامج يحتوي بعض المقاطع التمثيلية التي تثير خوف وفضول المشاهدين.

لايتسع المجال لعرض كل ما قدمه التلفزيون السوري خلال ما يقارب الستين عاما من البث، على أن الأرشيف الزاخر له يشهد بأنه كان يوما منبرا وصلة وصل اجتماعية وعلمية وفنية، عبر مجموعة برامج منوعة وغنية، تضاهي صفحات الفيسبوك التي يختلط فيها الحابل بالنابل.

وكان الأهالي يتابعون مع أطفالهم برامجه مطمئنين إلى محتواها، ولم تستوقفهم صورة “حبيبة ساسوكي” التي أقيمت من أجلها الدنيا ولم تقعد حين أصبح من الممكن تسجيل “ملاحظة” على الشاشة السورية، لجمع الإعجابات والمتابعات، ولم يكن هناك “قرش” يعض الكبل البحري ويوقف “الحياة الفيسبوكية” للكثيرين.

يستعيد السوريون اليوم ذكريات هذه البرامج عبر “صفحات فيسبوكية ” باسمها أو باسم التلفزيون السوري، ويبدو من كم المتابعة والتعليقات الأثر الذي تركته في ذاكرة أجيال عدة، من المستبعد أن تتركه وسيلة من وسائل التواصل الإجتماعي

اليوم ، لدى الأجيال اللاحقة.

يذكر أن التلفزيون السوري منذ بثه وحتى مطلع التسعينات، كان بقناتيه الأولى والثانية، هو التلفزيون الوحيد تقريبا، الذي يصل بثه إلى جميع أراضي سوريا، بالإضافة إلى بعض القنوات الأرضية اللبنانية التي كان يصل بثها إلى بعض المناطق الحدودية.

رنا سليمان – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى