سوريين عن جد

“ولنا بأوراق توتنا وحطبها حكايات أخرى”.. حلب تحتفي بالحياة لا بالموت يوم الجمعة

ارتبط يوم الجمعة لدى أبناء سيدة المدن، على مدى سنوات، بالموت، والفوضى، والقذائف، ولا غرابة إن اختاروا يوم الجمعة نفساء للاحتفاء بالحياة .

وتستمر مدينة حلب، كما دأبت ، كعادتها ، على مر التاريخ ، بخطف ذكريات الموت من أذهان ساكنيها بطريقة هي أشبه بالسحر.

المدينة التي لقبت بـ “مدينة الموت”، بصقت بوجه من حمل السلاح ، لقتلها ، وطردتهم ، لتثبت من جديد أنهت ”مدينة الحياة الحق”.

يطالعك في سيدة المدن، دمارلا يشبه أي دمار آخر، فالموت الذي احتلها لسنين ، مل من المقاومة، تخبط على أسوارها وحجارتها القديمة، مغادراً إياها مع لعنات عليه ، وعلى من ضن أن هذه المدينة ستموت.

معبر بستان القصر وساحة الحطب وسوق السويقة وساحة سعد الله الجابري “جايينك والله “، بعض قليل من قصص كثيرة عششت في أذهان أهالي المدينة، تروي أحداثاً وملاحم لأشخاص استشهدوا وبقيت ذكرياتهم، بغض النظر عن أنهم خلدوا أم لا، لكن ما هو مؤكد أنهم مخلدون في ذاكرة هذه المدينة التي لا تنسى.

بعد تحرير مدينة حلب، نفضت المدينة وأهلها غبار حربها، لتبدأ الاحتفالات بانتهاء سنين من السواد بكافة أشكاله ومختلف جوانبه.

ومنذ هذا التحرير وحتى الآن، لا زالت الفعاليات والمناسبات تقام لمحي صورة “أخطر مدينة في العالم”، بجهود أهلها وشبابها المصرين على إثبات أن هذه المدينة ما ماتت ولن تموت.

وأطلق الحلبيون على يوم أمس “جمعة الاحتفالات”، وخصوصاً مع إعادة تأهيل وتنظيف واحدة من أهم معالم المدينة، وهي ساحة الحطب.

وشهد اليوم فعاليتين، الأولى مشروع “ورق التوت” الذي توجه من خلاله المئات من الشباب لساحة الحطب من أجل تجميلها وتخليد ذكرى شجرتها بعد فتح كافة الشوارع المؤدية إليها، والثانية ماراثون “أحب حلب”.

والماراثون الذي أقيم بمشاركة وزير السياحة بشر يازجي، كان بدأ من شارع خان الوزير، الذي يعتبر أيضاً من المعالم المهمة في المدينة، وصولاً لساحة سعد الله الجابري.

وخان الوزير الشهير كان تعرض لدمار كبير لا تصفه كلمات ، مع دمار الجامع الأموي فيه، زالت بعض آثار هذا الدمار بعد تنظيف وإعادة تأهيل الشارع مع العديد من محلاته.

وشارك في الماراثون أعداد كبيرة من الشباب الذين انطلقوا صباحاً من خان الوزير ووصولاً إلى الساحة، والذي تزامن مع مناسبة يوم السياحة العالمي.

أما مشروع “ورق التوت” فجاءت فكرته بعد انتهاء حملة “سوا بترجع أحلى” من عملية تنظيف ساحة الحطب وفتح كافة الشوارع المؤدية لها، علماً أن الأنقاض في تلك المنطقة تعتبر خطيرة.

وقرر هذا المشروع الذي سمي نسبةً لشجرة التوت الكبيرة المشهورة في الساحة، (شجرة ساحة الحطب).

وتلك الشجرة أبكت العديد ممن رآها بعد تحرير المنطقة مقطعة ومرمية على جانب الساحة، ليبقى موقعها المتوسط للساحة عبارة عن حفرة كبيرة امتلأت بأحقاد صانعيها.

“نبات صغير يخرج من هذه الحجارة حتى الآن”، بتلك الكلمات بدأ مسؤول العلاقات العامة في الغرفة الفتية بحلب “JCI” الدكتور عبد الله سعود حديثه لتلفزيون الخبر، متابعاً أن “أهمية الفعالية، هو ما لها من دور لتسليط الضوء على واحدة من أهم الآثار السياحية والحضارية العريقة المعروفة في المدينة”.

“سبب تسمية الفعالية بورق التوت”، بحسب شرح سعود، هو “لأهمية شجرة التوت القديمة التي كانت تتوسط الساحة، وما لورق التوت من أثر يبقى فيه”.

مضيفاً: “كما هي مرحلة تعافي وإعادة إعمار تشهدها حلب، فإن هذا التعافي هو تعافي لحجر وبشر وذكريات كثيرة امتلأت بها هذه الساحة عبر أزمان”.

ومن المقرر ضممن مشروع “ورق التوت” الذي يعتبر الأول من نوعه،”زراعة شجرة توت جديدة” عوضاً عن الشجرة السابقة التي يبلغ عمرها مئات السنوات.

ومنه فهو إعلان عن عودة ساحة الحطب، لتحتضن الشجرة الجديدة جذور خليفتها وما تحويه من ذكريات عن أصوات مدينة عادت.

والمشروع تضمن عدة فعاليات أخرى، منها مسابقة لطلاب العمارة من أجل تقديم تصاميم جديدة لإعادة إعمار ساحة الحطب.

بالإضافة لإقامة جلسات موسيقية من بعض العازفين، استذكاراً للجلسات الموسيقية العفوية التي كانت تقام بين “شلة” قليلة من الأصحاب، وتنتهي بـ “شلة” كبيرة يتجمع فيها كافة الحاضرين بالساحة.

وانتشر العديد من الرسامين وأصحاب الحرف اليدوية، ليرسموا ويعرضوا لوحاتهم وأعمالهم وذكرياتهم عن الساحة، بالإضافة لقيام نحاتين بنحت أعمالهم الفنية عن الساحة.

ومجدداً حلب لم تمت، و”أخطر مدينة في التاريخ” هي حالياً كشجرة توتها، باقية الجذور العميقة في الأرض.

حارات قديمة كانت ملاعب للطفولة، تجري فيها مجدداً كالأطفال، وكأن سنوات من الحرمان لم تكن.. عمر منقوص اختفى تحت الركام الذي يرحل.

شجرة ساحة الحطب لم ترمى حتى الآن، فعلى الرغم من أن ما بقي منها هو جذع كبير، إلا أن النفوس التي شكت وبكت، فرحت، غضبت، غنت تحت تلك الشجرة، لا تستطيع التخلي عنها، هي مستندة حتى الآن بجانب تلك الساحة، تتلقى نظرات الزائرين الخجولة من ذكراها وذكرياتها.

وفا أميري – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى