كاسة شاي

وجيه البارودي .. طبيب حماة الظريف الذي تمرّد على الطربوش

في كتاتيب حماة، ومن مدرسة “ترقّي الوطن” تحديداً تعلّم وجيه البارودي المولود في 1906 القراءة والكتابة وخطا منها خطواته الأولى بعد الحرب العالمية الأولى إلى “الكلية السورية الإنجيلية” في بيروت (الجامعة الأميركية اليوم) عام 1918. ليتتخرّج منها طبيباً عام 1932.

عُرف عن البارودي بخفة ظله وتمرده على مجتمعه وواقعه، رغم تمسكه بالعودة إلى مدينته الصغيرة حماة ليفتح فيها عيادته الأولى، متنقلاً بين أحيائها على دراجة هواية بداية ثم على دراجة نارية، إلى أن حالفه الحظ في أواخر أربعينيات القرن الماضي ويشتري سيارة ساعدته في تقديم خدماته العلمية لريف مدينته ومزارعها كما لأحيائها القديمة.

كان تمرّد البارودي الأول على مجتمعه المحلي تجلى في استبداله للطربوش بالقبعة (البرنيطة الفرنجية) بحسب ما رواه عنه مؤرخون محليون ومعاصرون لحياته، وكان الطربوش وقتها عرف إلزامي في مجتمعه.

وكتب وجيه البارودي الشعر ومنه ما قاله معاتباً مدينته وأهلها بعد فشله في الانتخابات النيابية للعام 1949 وجاء فيها:
يعزُّ عليّ هجوك يا حماة/ ولكن الصفات هي الصفات
سلي ينبئك هذا الليل عني/ وساعات النهار المحرقات
وأطفال بعثت بها حياة/ سيلحقها الجميل الأمهات

ومن نوادره الطريفة ما كتبه رداً على إلحاح ابن عمّ له لكتابة رثاء لعمه المتوفي فقال :
تُكلفني حزناً ونفسي طروبة/ وروحي تأباه وأنت تريد
وهل يألف الأحزان من كان/ عاشقاً تجود له أحبابه ويجود
فلا ترجو مني وصف حزن ٍ لأنني/ طروب والعهد بالبكاء بعيد

وروي عنه بحسب مواقع إلكترونية عدة، أنه “طُلب إلى منزل امرأة على وشك الولادة ولكنها متعثرة، شاهدها الدكتور “وجيه” فطلب مباشرة من الأهل طبلة (دربكة) وبدأ بالنقر عليها والرقص مع الصبايا مما أدى إلى غرق المرأة الولادة بالضحك وأنجبت مولودها دون أن تشعر بذلك، فقال: إن المرأة خائفة ومتشنجة وهذه الحالة لا يفكها إلا الضحك أو الفزع، لم أستطع على الثانية فقمت بالأولى”.

وكان البارودي عاشقاً معجباً ب “ميادة الحناوي”، يحمل صورتها معه ويريها لزواره ومرضاه معبراً عن حبه لها، وروى عنه معاصروه أنه رفض معاينة ومداواة كل مريض يجاهر بعدم حبها وعنها قال :
ميادة للقلب ينفذ صوتها/ فالسامعون متيمون سكارى
ميادة أعجوبة الدنيا سأفتنها/ وأرسم مجدها أشعاراً

وعن مراحل حياته الأخيرة التي عاشها قبل وفاته كتب فقال :
أمشي إلى غايتي في منتهى التعب/ كأن ساقيّ قضباناً من الحطب
فإن أكلت فأكلي جدُّ مختصر / من الخضار وحبات من العنب

و فارق الشاعر الطبيب وجيه البارودي الحياة أواخر العام 1996 تاركاً أثره الملموس في مدينته التي شاكسها وشاكسته، عاندها وعاندته وحفر في ذاكرتها، رغماً عنها ربما، ذكرى رجل مختلف في زمن تشابه فيه أبناء المدن الصغرى وطوّعتهم تقاليدها.

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى