سوريين عن جد

من رموز الجلاء .. سعيد إسحق ابن الجزيرة السورية

ولد سعيد إسحق في مدينة ماردين عام 1902 في قرية قلعة الأمراء التي يسكنها عربا من عشيرة تغلب، والده هو اسحق مقدسي من آل كبسو ووالدته هي مريم عبدلكي .

دخل المدرسة في السن الرابعة من عمره وتعلم العربية والسريانية، عبر كتاب التوراة ليمكث فيها خمس سنوات، وانتقل إلى مدينة عامودا شمال الحسكة إثر قرار ضم ولاية ماردين إلى الدولة التركية، وهو مسيحي من طائفة السريان الأرثوذكس.

بعدها، دخل المدرسة الإعدادية التي كان نظامها التدريسي إسلامي بحت وواظب فيها لمدة عاميين على تعلّم القرآن الكريم و أركان الإسلام و مبادئه السامية و أتقن فيها اللغتان التركية و الكردية .

تنقل في العمل في أماكن عدة نتيجة الظروف السياسية التي كانت تعصف بالبلاد آنذاك، عمل في الزراعة و الصناعة والتجارة، ليغدو تاجراً مشهوراً للأقمشة في الجزيرة السورية حتى العام 1928م .

دخل مجال العمل السياسي وانتخب رئيساً للمجلس البلدي في مدينة عامودا والذي ضم كل من الحاج محمد حني و الحاج محمود وتي و ملا حمزة و يوسف الشيخي حيث باشر المجلس البلدي أعماله فقام بالعمران و بناء دار جميلة للبلدية.

بعد ذلك، رشّح نفسه للمجلس النيابي في العام 1932 وفاز بالنيابة عن مناطق ما كان يسمى الحسجة والقامشلية والدجلة ( الجزيرة السورية ) .

اجتمع المجلس النيابي في دمشق و انتخب سعيد إسحق أميناً للسر، ثم انتخب المجلس محمد علي العابد رئيساً للجمهورية والذي شكل وزارة برئاسة جميل مرد بيك ، و فاز سعيد إسحق بالنيابة مرة ثانية في عام 1936 م فانتخب فارس الخوري رئيساً له و انتخب إسحق مراقباً .

وخلال البدء بإعادة توحيد المحافظات السورية لم ترق لضباط الاستخبارات الفرنسية هذه التصرفات فعقد العملاء عدة اجتماعات وقرروا إرسال برقيات إلى باريس و دمشق للمطالبة بانفصال الجزيرة السورية وجعلها مستعمرة تحت حماية فرنسا، إلا أن أهالي الجزيرة ومنهم عامودا، بعثوا برقيات معاكسة تطالب بالوحدة السورية .

لذلك قرر الفرنسيين الانتقام من أهالي الجزيرة السورية وبدأوا بتشغيل عملائهم وحدث اقتتال بين أهالي عامودا أنفسهم وبتدبير و تخطيط فرنسي ، تحولت إلى فتنة طائفية.

فنهبت الأسواق والمتاجر والمحلات ووقف جيش الاحتلال الفرنسي متفرجاً حتى انتهت الفتنة بمقتل العشرات و إخلاء البلدة من الطرفين بعدها نهبها الجيش الفرنسي و دمر منازلها.

استغل الفرنسيون ما حدث وقاموا بترحيل موظفي الحكومة السورية من مناطق الجزيرة، وعين الكولونيل الفرنسي مورشان محافظاً لها، بعدها سجن سعيد إسحق في سجن المزة وذلك بعد تنظيمه تجمعا يرفض الاحتلال الفرنسي للجزيرة السورية، وحوّل إلى المحكمة العسكرية الفرنسية حيث تم الإفراج عنه بعد مظاهرة كبيرة للوطنين في دمشق .

بعدها قرر إسحق العودة إلى مدينته في الجزيرة السورية، وفي حلب خلال طريقه إليها مع عائلته، أبلغه مدير الأمن العام الفرنسي بقرار المفوض السامي الفرنسي بمنعه من دخول محافظة الجزيرة و الفرات، ليسكن بعدها في حلب ووضع تحت المراقبة بصورة دائمة .

وفي عام 1940 م تم منعه مرة أخرى من السفر إلى الجزيرة السورية برفقة صهره يوسف صباغ ( والد رئيس مجلس الشعب الحالي حمودة صباغ ) وذلك لحضور جنازة قريبه عبد الاحد يعقوب في عامودا، حيث سجن لمدة يوم كامل قبل الإفراج عنه ومنعه من السفر .

بعد ذلك بسنوات، عاد سعيد إسحق إلى الجزيرة السورية فوجد الفرنسيين يسيطرون على المحافظة، والجيش البريطاني يشرف على تنفيذ الهدنة بين الفرنسيين و السوريين فيها.

وبعد وصوله الحسكة بفترة، وصلته برقية تخبره أن رئيس مجلس النواب سعدالله الجابري في طريقه إلى الحسكة برفقة وزير الداخلية صبري العسلي للاطلاع على واقع المحافظات الشرقية .

وعند وصول الجابري، استقبله أهالي الحسكة خارج المدينة و اجتمع معهم في دار المحافظ وقرروا البدء بالمقاومة الحقيقة و العمل على دحر الفرنسيين، حينها شعر الأخير بالخطر و أرسل دورية إلى مركز صفيا مزودة بالرشاشات لقتل الوطنيين الذين اجتمعوا مع الجابري .

عقد الوطنيون اجتماعاتهم في عامودا و تل بيدر و الدرباسية لحشد الوطنيين من كل العشائر و المكونات، حيث شعر الفرنسين بالخوف فحضر مندوب عن الجيش البريطاني الذي يشرف على الهدنة بين الاحتلال الفرنسي و السوريين و اجتمعوا مع سعيد إسحق باعتباره ممثلاً للحراك الشعبي و انتهى الاجتماع بانسحاب الفرنسيين من عامودا .

بعدها استطاع وطنيو عامودا إقناع الدرك السوري الموجود والأهالي في مدينة الدرباسية بإنزال العلم الفرنسي و رفع العلم السوري فعمت الفرحة قلوب أهالي الدرباسية.

لينتقل الحراك الوطني و المقاومة إلى المناطق الأخرى لتحرر الجزيرة السورية بكاملها من الاحتلال الفرنسي في عام 1945 م وعادت إلى حكم الوطني لتكون أول منطقة سورية تتحرر من الاحتلال الفرنسي.

حيث انتخب سعيد إسحق بتاريخ 12 كانون الأول من عام 1949 مراقباً للجمعية التأسيسية، التي تحولت إلى مجلس للنواب، وفي الأول من تشرين الأول 1951 انتخب نائباً لرئيس مجلس النواب.

وبتاريخ 29 تشرين الثاني 1951، نفذ الجيش انقلاباً بقيادة الشيشكلي واستلم زمام الأمور في البلاد، ما اضطر رئيس الحكومة آنذاك معروف الدواليبي إلى تقديم استقالته لرئيس الجمهورية هاشم الأتاسي شفهياً.

وبعد ذلك، وفي 2 كانون الأول 1951، قدم الأتاسي استقالته إلى سعيد إسحق النائب الأول لرئيس مجلس النواب، لأن رئيس المجلس آنذاك ناظم القدسي كان قيد الاعتقال، وسجلت الاستقالة بتاريخ 2 كانون الأول 1951 بديوان المجلس تحت رقم 177.

وفي اليوم التالي أصدر رئيس الأركان ورئيس المجلس العسكري الأعلى العقيد الشيشكلي البلاغ رقم واحد، الذي تضمن حل مجلس النواب، بموجب المادة 87 من الدستور السوري آنذاك .

والتي تنص على أن “يمارس رئيس مجلس النواب صلاحيات رئيس الجمهورية، حيث لا يمكنه القيام بها وفي حال الوفاة والاستقالة يجتمع مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، أما إذا كان المجلس منحلاً أو بقي على نهايته أقل من شهرين فإن رئيس المجلس يستمر في ممارسة صلاحيات المذكورة”.

وبموجب ذلك، وبحكم أن رئيس مجلس النواب كان قيد الاعتقال، أصبح سعيد إسحق (النائب الأول لرئيس مجلس النواب)، رئيساً الجمهورية بالنيابة لمدة 24 ساعة في الفترة الزمنية بين 2و3 كانون الأول 1951، قبل أن يتسلم رئيس الأركان العامة آنذاك فوزي سلو مهام رئاسة البلاد بمرسوم من العقيد الشيشكلي.

وحصلت بتولي إسحق رئاسة الجمهورية مفارقة دستورية، وهي كونه مسيحياً في الوقت الذي يذهب فيه الدستور السوري إلى اشتراط الإسلام ديناً لرئيس الجمهورية، لكن ذلك كان ممكناً قانونياً إذ أن ذلك لأن الرئيس المكلف لا يشترط فيه شرط الإسلام، لأنه لا تتوافر فيه صفة المرشح التي تتطلب هذا الشرط.

ويقول المؤرخ والصحافي شمس الدين العجلاني “الرئيس إسحق كان وطنياً إلى حد الإدمان”.

فيما قال عنه الأديب عيسى فتوح إن “هذا الرجل الوطني الفذ لعب دوراً مهماً في الحياة الوطنية والسياسية في سوريا مدة نصف قرن تقريباً، فاشترك في النضال ضد المستعمر التركي ثم الفرنسي، ودخل السجن أكثر من مرة، حتى استطاع أن يصنع لنا الاستقلال الذي ننعم به اليوم، مع حفنة من أصدقائه المخلصين”.

وتوفي إسحق في الولايات المتحدة في العام 1989 م ، بعد صراع مع المرض دام خمسة أعوام وأرسلت السفارة السورية في واشنطن العلم السوري ليلف جثمانه به.

يذكر أن ابن سعيد إسحق ( بسام ) هو أحد وجوه “المعارضة” السورية وهو عضواً في ” سوريا الديمقراطية ” و رئيساً لما يسمى ” المجلس السرياني ” المعارض وله علاقة قوية بالاحتلال الأمريكي .

في حين أن حفيد سعيد إسحق من ابنته هو المحامي حمودة يوسف صباغ رئيس مجلس الشعب الحالي و حفيده الآخر من ابنته الأخرى هو المهندس عدنان عبد الكريم خاجو رئيس مجلس مدينة الحسكة حالياً و شقيقه القاضي المستشار داوود خاجو .

عطية العطية – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى