العناوين الرئيسيةكاسة شاي

من ذاكرة الريف السوري.. الدكان الوحيد الذي يبيع كل شيء

ليست شخصية “صالح” في المسلسل السوري الشهير “ضيعة ضايعة” أو “عبود” المعروف ب”عبود الكازية” في “الخربة”، وغيرها من مثيلاتها التي حرص مؤلفون عدة على إبراز دورها ومكانتها بين أهالي القرية في أعمال درامية عدة، سوى تجسيد لحالة معروفة جداً في الريف السوري على وجه الخصوص.

لصاحب الدكان الصغير والوحيد الموجود في كل قرية تقريباً والذي قد يصادف أن يكون “مركز التسوق” الوحيد لعدة قرى في المناطق النائية.

لا تختلف الصورة الحقيقية لأشكال هذه الدكاكين ومحتوياتها، عما نقلته الشاشة الصغيرة، غرفة صغيرة قديمة، تقع غالباً وسط القرية، رجل أربعيني أو خمسيني يجلس على كرسي خشبي أمام باب حديدي مدهون باللون الأزرق، وإلى جانبه كرسي آخر لضيف طارئ أو جاره الذي يشاركه “دق طاولة”.

داخل الدكان تعلق مكانس القش يدوية الصنع، وعلى الرفوف المتباعدة تتوزع ألواح الصابون وعلب الدخان والسردين والتونا، شفرات الحلاقة الرجالية ، الكبريت والقداحات، أقلام ودفاتر تزداد كميتها مع بدء الموسم الدراسي، بعض أنواع البسكويت والعلكة وغيرها من الأشياء الصغيرة من الحاجات الأساسية لسكان القرية.

حتى منتصف تسعينات القرن العشرين، بقيت هذه الصورة هي الأقرب للواقع، بدأت بعدها أعداد هذه الدكاكين بالتزايد، ومحتوياتها بالتنوع، مع بداية تشكل ملامح اقتصادية جديدة لحياة سكان هذه الأرياف، الذين اقتربوا من المدن خطوات جديدة.

لم يكن دور هذه الدكاكين ليقف عند حدود تزويد الناس ببعض البضائع زهيدة الثمن، لكن صاحبها الذي من الممكن أن يكون أكثر السكان احتكاكاً مع المدن (الحضارة) بالنسبة للفلاحين، يلعب دور نقل الأخبار عن الأحوال والأسعار، وبهذا يتحول باب رزقه إلى مصدر رئيسي لأخبار المدينة السياسية والاقتصادية.

في بعض الأرياف النائية، يعمل صاحب الدكان دور المزود لبعض الممنوعات، أو التواصي من البضائع “الغالية”، وعلى أي حال كان دائماً هو مصدر أي جديد في الأصناف والسلع، مع مراعاة مقدرة السكان الشرائية المتواضعة.

وهذا ما حوّله في بعض الأحيان إلى لعب دور المحتكر والمستغل، الذي يستدين منه الفقراء بالفائدة.
لسنوات طويلة، كانت هذه الدكاكين هي الوحيدة التي تعرف الهاتف، والذي يمكن لأهل القرية الاستفادة من خدماته مقابل مبلغ مالي زهيد، كما أنها بشكل عام، أول من عرف أجهزة الراديو في الريف، فأصبحت في أحيان كثيرة مركز تجمع رجال القرية مساءً، الأمر الذي يعني استثماراً لصاحبها.

وبمقابل هذا الدور، فصاحب هذه الدكان ليس إلا أحد أبنائها، والذي غالباً ما يحوي دكانه دفتراً للديون، يكاد لا يستثني أحداً في القرية، ويصبر لاستيفاء ديونه على “الموسم”، وفي أحيان كثيرة يكون هو نفسه مركز تصريف بعض المنتجات المحلية في القرية.
وفي الأعياد، يمتلئ الدكان الصغير بألعاب بسيطة للأطفال أو بعض أدوات الزينة النسائية، ويتحول التبضع لدى الصغار والحاصلين على “العيديات” إلى عيد بحد ذاته، يحسبون له حساب.

اختلفت الصورة كثيراً اليوم، بالنسبة لمعظم مناطق الريف السوري، حتى البعيدة منها، فتعددت المصادر والبضائع واختفى “ثقل” دكان الحي إلا في مناطق قليلة، لكنك ستجد حتى اليوم وفي كل قرية، دكاناً صغيراً متواضعاً أو ذكرى له في وجدان أهلها، لايفوت الكبار منهم استعادة تفاصيلها، عاكسين عليها حميمية خاصة قد لا تتناسب مع حقيقة ما كانت عليه فعلا.

 

رنا سليمان _ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى