العناوين الرئيسيةمجتمع

منحها شللُ رجْلِها دفعاً إضافيّاً..”فداء شدود” امرأة أحبت الحياة بكل مافيها في حمص

بوجه مبتسم طوال الوقت، تخرج “فداء شدود” بأعوامها التي تجاوزت الستين، لتتنفس الحياة يومياً في شوارع مدينة حمص، وتواجهها بصعوباتها، وتتقبّلها بحلوها ومرّها.

“أكبر نعمة هي إصابتي بشلل الاطفال”، تبدأ فداء حديثها لتلفزيون الخبر، لتسرد بعدها قصة كفاحها مع الحياة منذ الصغر، دون أن تشكو يوماً من وضعها الصحي الذي تسبب بشلل رجلها اليمنى.

وبينما ترتشف من فنجان البابونج المعدّ من خيرات الطبيعة، تقول فداء :”أصبت بعمر العامين بمرض الحصبة، إضافة لقيام أحدهم بإعطائي إبرة ملوثة عن غير قصد، ما سبب شللاً برجلي اليمنى، إلا أن ذلك كان حافزاً كي لا أكون فتاة ريفية تقليدية، ودفعني مراراً للنهوض بعد السقوط”.

وقريباً من عكازها المتكئ على الحائط، تتابع فداء لتلفزيون الخبر :”كان الدعم المعنوي من عائلتي كبيراً جداً ولأبعد الحدود، فتحولت إصابتي إلى دافع إيجابي تغيرت معه نظرتي للحياة بطريقة مختلفة، لا تتأثر أبدا ً بالأصوات المحبِطة، أو التنمر الذي تعرضت له في طفولتي”.

وما تلبث عيناها أن تبدأ باللمعان، وتنقلب نبرتها المتفائلة إلى صمت مصاحب لرغبة بالبكاء، عند تذكرها لدعم عائلتها الكبير ولاسيما والدها الذي توفي منذ عدة سنوات، فدعم الأهل لأبنائهم هو أكثر الدوافع تأثيراً على الإنسان بشكل مطلق، كما قالت فداء.

 

وبعد استجماعها للنبرة التفاؤلية، تحدثت فداء لتلفزيون الخبر عن أهم المراحل في حياتها، قائلة :”نلت البكالوريا ومن ثم توظفت في حمص عام 1979 وكان هذا خارجا ً عن المألوف حينها بالنسبة لفتاة ريفية، إلا أن قناعة أبي الراسخة كانت ألا أحتاج رغيف الخبز ولو كان ذلك منه”.

 

وتكمل فداء :” إلا أن رغبتي كانت دخول الجامعة ودراسة اللغة العربية، ققررت إعادة دراسة البكالوريا وتسجيل الفرع الذي أحب، إلا أنني لم أستطع لنقص علامات معدودة، ورغم ذلك قمت بتسجيل فرع الأدب الإنكليزي وتخرجت من جامعة البعث، فكانت الخيرة فيما اختاره الله، حسب قناعتي”.

 

“خدمت في مختلف مؤسسات الدولة 40 عاماً”، تتابع فداء، وخرجت للتقاعد بعمر الستين، بعد أن عملت في عدة أقسام من أمينة صندوق إلى رئيسة ديوان وغيره من الوظائف التي أحببتها وعملت فيها بكل أمانة”.

 

وعن مرحلة ما بعد التقاعد، تردف فداء :”أتابع حياتي بشكل طبيعي على أكمل وجه، وأنجز كل المهام اليومية من التسوق ودفع الفواتير والقيام بالزيارات للأصدقاء والأقارب والإهتمام بشقيقتي، كما أملأ وقتي مساء بإعطاء الدروس لعدد من الطلاب”.

 

“محسوبتك بطلة جمهورية”، تقول فداء مع ابتسامة فخرية، وتعدد البطولات التي أحرزتها على مستوى سوريا، ومنها بطولة الجمهورية في الرياضيات الخاصة (لذوي الإعاقة) عام 1995،و 3 ذهبيات بألعاب القوى أيضاً”.

 

وتكمل فداء :”كما نلت ذهبية برفع الأثقال، وأخرى في لعبة كرة الطاولة، إضافة إلى ذلك قمت بعدة دورات في هذا المجال، كما عملت كعضو مجلس الإدارة للرياضات الخاصة للإناث في نادي السلام الرياضي، وشاركت بندوات ثقافية متنوعة”.

 

“التنمر جهل وعدوانية”، تقول فداء، و هي ظاهرة موجودة في المجتمع للأسف، واعتبره شخصياً خطأ ناجم عن قلة الثقافة، ولا أنكر أنني تعرضت وعانيت من هذا السلوك تجاهي فترة الطفولة إلا أنني استوعبته لاحقاً بل وأضحك على من يمارسه”.

 

أجد نفسي جميلة جداً رغم الموروث الإجتماعي المغلوط وكل ما يقال بحق ذوي الاحتياجات الخاصة، وهنا رسالتي لكل أقراني بأن يقبلوا ويتقبلوا إصابتهم وأن يرى كل شخص الجمال في نفسه، لأن هذا امتحان في الحياة يجب تجاوزه بالإصرار والتحدي لا الإنزواء والتذمر والإحباط”.

 

وتتوجه فداء للمرأة السورية تزامناً مع عيد المرأة العالمي، بالقول :”عليكي أن تكوني نفسك، وتحترمي إمكانياتك دون التقليل من قيمة نفسك، بل وابذلي جهدك وطوري نفسك في أي عمل تستطيعين إنجازه”.

 

وتضيف :”كانت المرأة السورية منذ الأزل وما تزال عاملة مجتهدة ومكافحة في موقعها، مع الإشارة إلى نقطة هامة وهي ألا تكون المرأة عدوة نفسها، وتحارب النماذج الناجحة، بل علينا دعم النساء، ورفع شأنها ودعمها”.

 

وتضرب فداء مثالاً عن دور المرأة الذي يدا واضحاً خلال الزلزال، حيث ظهرت مبادرات نسائية عديدة لدعم النتضررين جراء الزلزال، وهنا الفكرة المقصودة بأن تكون المرأة عنصراً فعالاً في المجتمع دون الإلتفات للآراء السلبية”.

 

“وخيارات الله أفضل من خيارات الانسان”، تؤكد فداء لتلفزيون الخبر، مضيفة :”كانت إصابتي هبة من الخالق لأنها وضعتني في أماكن لم احلم بها سابقاً، فكنت بطلة جمهورية وسافرت إلى عدة دول وأنجزت أشياء سأفتخر بها كل العمر”.

 

“سأعيش رغم الداء والأعداء كالنسر فوق القمة الشماء”، تستعير فداء ببيت شعري لأبي القاسم الشابي، وقالت :”أجد بهذا البيت قبس النور الخاص بي، فالإنسان يستطيع وصول السماء إن أصر على ذلك”.

 

عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر_ حمص

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى