محليات

معركة ميسلون .. بعض من تاريخ سوريا

بعد قبول الملك فيصل لما عرف حينها بـ”انذار غورو” وأوامره بفض الجيش واستبدال العملة السورية بالفرنسية وتسليم السكك الحديدية للفرنسيين واخضاع البلاد لسطة فرنسية، لكن ذاك القبول لم يمنع غورو من الزحف إلى دمشق في محاولة منه لاحتلالها، متذرعا بتأخر وصول موافقة فيصل.

رفض وزير الدفاع في الحكومة السورية أنذاك الشهيد يوسف العظمة أوامر الملك فيصل ورفض فض الجيش وتسليم البلاد للفرنسيين، وقاد مجموعة من المتطوعين لمواجهة الجيش الفرنسي الزاحف نحو دمشق والتقى الجيشان في معركة غير متكافئة.

سميت هذه المعركة بـ”معركة ميسلون” نسبة إلى اسم المنطقة التي حصلت فيها المعركة، التي انتهت بسحق الفرنسيين للجيش السوري الصغير العدد والعدة، ودخولها دمشق كجيش احتلال، ولكن سطرت مجدا للسوريين يقول بعد مرور كل هذه السنوات أن “دمشق لم تسلم .. بل قاتلت”.

في تفاصبل المعركة، خرج الوزير يوسف العظمة بحوالي 3000 جندي إلى ميسلون مسلحين ببنادق إنكليزية عفا عنها الزمن، ولم تضم قواته أية دبابات أو طائرات أو أسلحة ثقيلة، واشتبك مع القوات الفرنسية في صباح 24 تموز 1920م في معركة غير متكافئة دامت ساعات، اشتركت فيها الطائرات الفرنسية والدبابات والمدافع الثقيلة.

وعلى الرغم من ذلك فقد استبسل المتطوعون في الدفاع أمام جيش فرنسي كبير، وكان يوسف العظمة جعل على رأس “وادي القرن” في طريق الفرنسيين ألغاما خفية، ولكن بعض “الخائنين” قاموا بتقطيع الأسلاك وبالتالي تعطيل الألغام، وكانت هذه الخيانة الأولى.

الخيانة الثانية كانت من القائم مقام جميل الألشي الذي قام باعلام الفرنسيين على الجيش في ميسلون وقام بتعريفهم على مواضع الضعف فيه، وبدأت المعركة التي استخدمت فيها الجيش الفرنسي الدبابات والطائرات، مستغلين طعنة الألشي الذي أصبح وزيرا للدفاع في الحكومة الموالية لفرنسا بعد الاحتلال، والفرق الكبير بين الجيشين.

والخيانة الثالثة أتت من الخلف، في حين كان الشهيد العظمة يقاتل ومن معه ببسالة ولكن الخونة هم من حسموا المعركة، فقد قام رجل من المتطوعين مع بعض الفرسان بالهجوم على أحد قطع الجنود المقاتلة السورية من الخلف وفتحوا النار عليها ونهبوا السلاح منهم.

وعلى الرغم ذلك بقي يوسف العظمة ورفاقه يقاتلون في المعركة بإمكانيتهم المتوفرة حتى استشهدوا، ومعهم استشهد وزير دفاع سوريا يوسف العظمة بقذيفة من إحدى الدبابات الفرنسية وذلك بعد معركة دامت ثماني ساعات انتهت بالقضاء على الجيش السوري المقاوم، الذي على الرغم من خسارته إلا أنه خاض معركته دفاعًا عن شرفه العسكري وشرف البلاد.

ودخل الجيش الفرنسي محتلا إلى دمشق بعد أن أبى العظمة ورفاقه من الوطنيين إلا أن “يرايق على جوانبها الدم”، لكن غورو أجل دخوله دمشق إلى اليوم التالي محيطاً نفسه بأكاليل النصر وسط جنوده وحشوده، وزار قبر صلاح الدين الأيوبي وقال في شامتا “نحن قد عُدنا يا صلاح الدين”، ويذكر المؤرخ سامي مبيض أن عدداً من سكان من جبل لبنان تطوعوا للقتال مع القوات الفرنسية لأنهم رفضوا الانضواء ضمن دولة ذات غالبية إسلامية.

معركة الشرف في ميسلون لم يخضها وزير دفاع سوريا، الذي كرمته الحكومة بتسمية شارع في العاصمة باسمه، ولم يفكر في خسارة أو نصر، خاضها وبالرغم من كل الخيانات، كي لا يقال أن الشرف السوري رخيص، ومهدت هذه المعركة لوعي سوري جمعي تجسد في الثورة السورية الكبرى في 1925 ومن بعدها بالاستقلال في 1946.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى