كاسة شاي

مدللّة الفرات التي غدر بها اسمها…الطبقة أو مدينة الثورة “سبيّة” الحرب الأجمل

مدينة الغرباء التي لا تشعر فيها بأي غربة، هكذا كانت مدينة الثورة مدللة الفرات التي تتأبط ذراعه متباهية بغنى لا تعرفه باقي المدن من حولها، فهي مدينة الصحراء الخصبة، التابعة لمحافظة الرقة فأخذت منها رقتها، الهادئة التي تعكس بساطة قرية قديمة وثلاث أحياء حديثة بمبان وشوارع وادعة.

في أحيائها الثلاث مظاهر مدينة كأي مدينة أخرى، شوارع متسعة نظيفة، أبنية قليلة منتظمة، مدارس ومستوصفات ومستشفى وحدائق جميلة، مركز ثقافي ومحال تجارية متنوعة، بالإضافة إلى محمية طبيعية تميزها، لكنها ليست كأي مدينة أخرى.

سكانها هم أبناء كل سوريا، عمال وموظفو حقل نفط الثورة، أكبر وأغزر حقول النفط السورية، عمال سد الفرات ، وضباط الجيش العربي السوري الطيارون في مطار الطبقة العسكري وعائلاتهم، بالإضافة إلى سكان القرية القديمة .

من أجل هؤلاء بنيت المدينة عام 1968 ، بعد إقامة السد، وعرف سكانها الهدوء والرخاء ، فغنى الأرض انعكس خيراً على الناس ويتحدث من سكن المدينة عن “أجمل سنوات حياته” على أرضها ، أرض الفرات والنفط والآثار الساحرة.

لكن جمال المدينة الصغيرة وبعدها لم يشفع لها، فوقوعها على طريق دولي هام يربط محافظات حلب والرقة وحماة وغنى أرضها، ومطارها العسكري الهام، جعلها مطمعاً “لثوار” لم يعرفوا عن الثورة شيئاً.

ويتحدث أحد أبنائها لتلفزيون الخبر ” في الشهر الثالث من عام 2011 كانت مدينة الطبقة الوادعة على موعد مع بداية تجربة مريرة دفع ثمنها الأبرياء والفقراء، ومثل ما حدث في أغلب مدن سوريا، كانت البداية من أحد المساجد بهتافات مطالبة بالحرية تطورت إلى مظاهرات مدفوعة الثمن”.

ويضيف “بـ 500 ليرة كان يخرج شبان القرية نهار كل جمعة ليهتفوا لحرية لا يعرفون عنها شيئا”.

وتابع محدثنا قائلا ” شهدنا بأم الأعين كيف جرت عمليات تحشيد وتجييش الناس وخاصة الشباب والمراهقين، لتتحول المدينة الآمنة بين ليلة وأخرى إلى شوارع فارغة يملأها الخوف والترقب والشعور بدنو وقت الرحيل بالنسبة لمن هم من المحافظات الأخرى ومنهم من قضى أربعين عاما في المدينة “.

ويستذكر ابن المدينة الأحداث التي مرت بها، “كان يوم العاشر من شباط من العام 2013 اليوم الأسود بتاريخ الطبقة، حين سقطت المدينة بشكل كامل بيد” الجيش الحر” ومن بعده “جبهة النصرة”، بعد ترحيل جميع السكان من أبناء المحافظات الأخرى وعدة حوادث قتل لضباط في الجيش العربي السوري وأشخاص لا ذنب لهم”.

ويتابع ” كان المسلحون يتعمدون تركيز مدافعهم على شرفات وأسطح المنازل لقصف حواجز الجيش وعندما يرد الجيش يقومون بتصوير القصف على أن الجيش السوري يهدم منازل الناس الآمنين”.

ويضيف ” في البداية كان ما يسمى “الجيش الحر” هو الحاكم في الظاهر، و ظهرت “جبهة النصرة” بشكل علني في شهر حزيران من العام 2013، وكان أميرها (محمد الموسى) الذي لقب نفسه بـ”أبي موسى الأشعري”.

ويقول محدثنا “بدأت هذه المجموعات بعد سيطرتها على المدينة باقتسام ثرواتها الضخمة، واستولت “كتائب منبج”، وكانت الفصيل الأكثر تسليحاً على الحصة من الأكبر، ونقلتها الى مدينة منبج، وعرفت ب الناس بـ “الجراد المنبجي”.

وعن حقل الحباري النفطي يقول ” دارت معارك شرسة بين عدة كتائب مسلحة قادمة من دير الزور وأخرى من منبج على المعدات والآليات الباهظة الثمن الموجودة في الحقل وفي مرآب سد الفرات، وكانت الغلبة للجراد المنبجي، وتم بيع هذه المعدات لتجار أتراك بأبخس الأثمان”.

“بين عمليات تجارية مشبوهة، بحجة شراء سلاح “للثوار”، وإرهاب للأهالي المدنيين، وسلب البيوت التي تركها أصحابها، سُرقت المدينة ونهبت وبيعت، وعرفت المدينة التي طالما تميزت برخص الأسعار والرخاء، الفقر وأزمات من كل الأنواع تحت مسمى “الثورة”، يقول الرجل بألم.

ويضيف “وصل الأمر بالمسلحين إلى تقطيع سكة الحديد التي تربط الطبقة بحلب والحسكة، وبيعها للتجار بكل ما فيها من حديد وأخشاب ، ولم تسلم الأرصفة من معاول اللصوص فقد نبشوا الأرصفة واستخرجوا الاسلاك لبيعها”.

ويتابع ” توقف التعليم في المدارس التي سرقت بدورها وتحولت إلى مقرات للميليشيات العديدة، وفرض اللباس الشرعي والنقاب على النساء، فعم الجهل والتخلف ورحل الكثير من السكان الأصليين عن المدينة بحثا عن ملجأ لهم ولعائلاتهم”.

ويتابع واصفاً واقع الحال للمدينة المسلوبة ” تحول تجار المخدرات والجهلة واللصوص إلى مفتين في الجوامع، ومنهم الشخص المسمى ( موسى الحسن)، والذي تدرج من عنصر في “الجيش الحر” الى أمير في “جبهة النصرة”، و سفاح في “داعش””.

ويضيف”(موسى الحسن)هو الذي أشرف شخصيا على قتل عناصر الجيش العربي السوري، ودفن البعض منهم وهم أحياء على طريق الصفصافه شرق الطبقة”.

في هذه الفترة توقف سد الفرات عن العمل، وقطعت الكهرباء عن أغلب حارات المدينة” ، يضيف الرجل، ” ومن الأساليب التي ابتكرها الأهالي لمواجهة الوضع وكانت قطعة البطاطا المجوفة وبداخلها زيت زيتون وقطعة من محارم الكلينكس حيث كانت تستمر في الاشتعال لفترات جيدة ومقبولة”.

لم يتمكن ابن المدينة من متابعة حديثه لتلفزيون الخبر بسبب سوء الاتصالات في المدينة، التي احتلتها “داعش”، بعد ذلك ، وارتكبت فيها وفي القرى المحيطة عدة مجازر منها عمليات إعدام لعدد من أبنائها.

وتسيطر الآن “الوحدات الكردية” على أحياء المدينة بعد معارك مع “داعش”، نزح بسببها الكثير من الأهالي، فيما ينتظر الباقون “عودة سيطرة الدولة السورية وعودة الأمان الذي عرفته المدينة منذ نشوئها”، كما عبّر محدثنا.

يذكر أن مدينة الطبقة أو الثورة تبعد 55 كم عن مدينة الرقة باتجاه الغرب وعن مدينة حلب 150 كم باتجاه الشرق، وارتبطت تسميتها بثورة الثامن من آذار، وتقع في المكان المشرف على بناء السد ومحطة التوليد وبحيرة الأسد وقلعة جعبر.

رنا سليمان _ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى