كاسة شاي

“مدحت باشا”.. “الشارع المستقيم”.. “السوق الطويل”.. والعراقة الدمشقيّة واحدة

“سوق مدحت باشا”.. “الشارع المستقيم” .. “السوق الطويل”، اختلفت التسميات تبعاً للمراحل لكن الحقائق ورصف الحجر أرضاً وجدراناً مع التاريخ الطويل من العراقة ذاتهم.

تكمن في طبقات السوق الدفينة، ذاته بتعدد تسمياته، حكايات عن دمشق، أقدم العواصم المأهولة، تتحدث عن العهود التي مرت بها المدينة الأعرق منذ آلاف السنين، مروراً بالدولة الأموية وصولاً إلى الحقبة العثمانية وإلى الوقت الحاضر.

بُني السوق على يد الرومان في القرن الأول قبل الميلاد، حيث يصل طوله 1570 متراً داخل السور، يمتد من غرب المدينة القديمة إلى شرقها قاطعاً إياها إلى قسمين، بعرضٍ يبلغ 26 متراً.

كان الشارع يتألف من طريق واسع في الوسط يقابل فتحة الباب الوسطى، ورواقين جانبيين مسقوفين يقابلان الفتحتين الصغيرتين للبابين الشرقي والغربي، تحملهما الأعمدة المتوجة بتيجان إبداعية جميلة، مازال يظهر بعضها، وكانت المخازن التجارية موزعة على طول هذا الشارع بمحاذاة أروقته.

ولطالما اعتبر هذا السوق الشارع الرئيسي لمدينة دمشق القديمة، وأسماه الرومان، حينها، (Via Recta) أي الطريق المستقيم، أما العرب فأسموه بالشارع المستقيم، وبني بما يتناسب مع أسلوب بناء المدن اليونانية والرومانية، (أسلوب البناء الشطرنجي الهلنستي والمقسم بالشوارع الصغيرة إلى أحياء صغيرة).

وكان يقطع هذا الشارع شارع آخر عرضي يمتد من الشمال إلى الجنوب، وعند نقطة التقاطع توجد قوس رباعية تم الكشف عنها في منتصف القرن العشرين، كانت على عمق أربعة أمتار ونصف من سطح الأرض الحالية.

وفي عهد المماليك أطلق على القسم الغربي من الشارع “سوق جقمق”، نسبة إلى سيف الدين جقمق نائب دمشق، وفي العهد العثماني، قام الوالي مدحت باشا بتوسيع الشارع على حساب الدور السكنية سنة 1878.

ليحمل منذ ذلك الوقت اسم مدحت باشا، كما جُدِّد السوق في عام 1890، في عهد رؤوف باشا، وتمت تغطيته بالحديد والتوتياء في عهد آخر الولاة حسين ناظم باشا، حماية له من الحرائق بعد أن كان مسقوفاً بالخشب.‏

ويعد هذا الطريق من أهم الطرق من النواحي الأثرية والتاريخية والروحية ضمن المدينة القديمة، وتنبع أهميته من كونه جزءاً من الطريق الذي سلكه “بولس” الرسول، حيث وصل كنيسة حنانيا، ومنها انتقل إلى كنيسة باب كيسان.

والشارع القائم حالياً ليس هو الشارع المستقيم، ولكن هناك أجزاء من شارع مدحت باشا ولاسيما الممتدة من القوس الروماني إلى باب شرقي هي جزء من الطريق القديم، أما الأجزاء الأخرى فقد اختفت ضمن الأسواق وأصابها القدم، بفعل كوارث طبيعية أو أعمال تنظيمية جرت في العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية.

والطريق، حسب أقوال المؤرخين، “كان يمتد من باب الجابية إلى باب شرقي، في حين أن باب الجابية يختفي بين الأسواق القديمة، كما أن المصورين في القرن التاسع عشر التقطوا صورا للشارع المستقيم قبل أن يجدد في عهد مدحت باشا.

وتأكد هذا عندما جرى تجديد الشارع وإقامة بنى تحتية جديدة في عام 2007، فخلال الحفريات تم اكتشاف العديد من الآثار القديمة، وتم اكتشاف أساسات الشارع المستقيم القديم، إضافة إلى كشف أساسات وقواعد سور المدينة القديمة.

وفي عام 2008، تمت إعادة ترميم الشارع من أوله إلى آخره، وأعيدت له بعض أجزائه الأثرية وبعض من قطع الأعمدة القديمة والتيجان “الكورنثية” التي كانت تزين الشارع المستقيم قديماً.

كما تم ترميم وتجديد كافة العقارات الموجودة على الجانبين، وتمت الاستعاضة عن أبواب الحوانيت والمحلات الحديدية بأبواب أخرى خشبية، كما تم تأمين بعض المساحات الخضراء وزراعتها ببعض نباتات الزينة وأُضيء الشارع بالأضواء المناسبة لتظهر جماله أكثر.

ومن أهم معالم الشارع تلك الأبنية المختلفة من بيوت ومنازل ومحلات وحوانيت صغيرة متواجدة على جانبيه، بالإضافة إلى العديد من المطاعم والمقاهي ودور العبادة سواء الكنائس والكاتدرائيات أو المساجد والجوامع.

وأيضاً بعض المدارس وبعض الفنادق الصغيرة، كما تتفرع منه شوارع جانبية كثيرة أهمها شارع الأمين وشارع سوق البزورية وشارع باب توما الأثري، وينتهي الشارع من جهة الشرق بباب كبير هو باب شرقي.

روان السيد- تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى