فلاش

ما بعد تفجيرات طرطوس .. قصص من المشفى

ضربت التفجيرات الانتحارية محافظة طرطوس من مدخلها الجنوبي عند حاجز ارزونة على الاوتستراد الدولي الواصل بين حمص وطرطوس، وأوقعت عشرات الضحايا بين شهداء وجرحى، الضحايا بمعظمهم نقلوا إلى مشفى الباسل القريب في طرطوس.

المشفى الذي درب الأطباء والعاملون فيه على التصرف في حالات التفجيرات أو الاستنفارات، فكل شخص يعرف لحظة وقوع الحدث ما مهمته، والكل يعرف الاحتياطات الواجب تنفيذها، بدءا من الاسعاف وغرف الانعاش والعناية والغرف التي تستطيع تحويلها عند الحاجة لانعاش أو اسعاف.

بدءا من مدير المشفى الذي أشرف بنفسه على قسم الاسعاف مرورا بالأطباء والممرضين ووصولا للعاملين، الكل له عمل محدد، حتى أن هناك مهمة مراقبة باب الاسعاف كي لا يحصل كما في تفجير جبلة والسويداء عندما تسلل أحد الانتحاريين للمشفى وفجر نفسه في قسم الاسعاف المكتظ، هناك تشاهد قصصا لا ترى طريقها للنشر.

قصص كثيرة تروى عما حصل في مكان التفجير وكيف حدث ومن فجر وما الهدف وكيف تم نقل المصابين والجرحى وما هو عدد الشهداء والجرحى، ولكن في المشفى تفاصيل كثيرة قد يرويها أي أحد شاهد، ولكن ما ينقل منها هو قلة قليلة، بعض القصص الانسانية التي حصلت بعد التفجير في مشفى الباسل في طرطوس.

راجت بعد التفجير صورة لطفل صغير جميل أقرب ما يكون للقلب بشعر أشقر وعينين خضراوين، تداولها رواد مواقع التواصل كون الطفل الصغير نجا من التفجير ولكن لا يعرف ماذا جرى ولا يحفظ إلا اسمه “كرم”، ولم يعرف من أهله ولا من أين هو، طفل لوحده ناج من التفجير.

حاول الأطباء والعاملون في مشفى الباسل بطرطوس معرفة أي معلومة عنه ولكن الطفل قال فقط أنه “كرم” وأنه كان ذاهبا للروضة، بعد حوالي الساعة جاء الوالد وتعرف على طفله ضمه وحضنه وتأكد أن بقع الدماء التي على كنزته لا تعود له، وسأل بحرقة عن أم الطفل وأخوه و أخته.

ليتضح فيما بعد أن الأم استشهدت والأخت عثر عليها مستشهدة أيضا فيما أخوه الذي كان مفقودا قيل أنه تم العثور عليه في أحد المشافي القريبة، مأساة عائلية أشبه بالانهيار لن يفهمها الطفل الجميل وسيحملها الوالد معه لسنوات كثيرة حزنا يثقل الذاكرة والقلب.

في أحد غرف المشفى جريح بالكاد يستطيع الكلام، الدماء نشفت عليه ممزوجة بالغبار والألم، يسأل عن ابنته وزوجته اللتان لم يعرف عنهما شيئا بعد التفجير، في الغرفة المجاورة على أحد الأسرة جريح أخر أجهش بالبكاء عندما قلنا له أن في تلك الغرفة جريح من نفس قريته.

“بنتو أنا شلتا بإيدي .. بإيدي شلتا محروقة ما فيها روح يا الله تركوني بدي خبرو خلوني قلو”، هذه الكلمات هي التي خرجت من الجريح وهو يهم بالوقوف ليخبر صديق عمره، الذي كان معه بنفس السيارة لحظة الانفجار، أن ابنته توفيت بين يديه.

في طابق أخر رجل مربوع القامة في العقد الخامس من عمره يمشي و “دمو طولو”، يلاحق الممرضات اللواتي يساعدن زوجته التي أصيبت حسب ما تشكي برض في الصدر وإصابة في إحدى العينين ويصرخ “معي مرتي هي مرتي”.

قالت إحدى الممرضات للرجل “يا عمي فوت على هي الغرفة، ورح تكون زوجتك بالغرفة يلي حدها”، صرخ الرجل “لا لا مع مرتي ما بتركها رايح معها”، في الغرفة حيث زوجته سريران شغلت الزوجة أحدهما والأخر كان فيه جريحة أخرى، حاولت الممرضات اقناع الرجل بالذهاب للغرفة المجاورة، فما كان منه إلا أن سحب كرسيا وجلس عليه مشيرا للممرضات “شوفوها شو فيها”.

الانفجار هو الثاني في طرطوس أوقع حوالي الـ 40 شهيدا، أغلبهم من أبناء القرى القريبة من حاجز أرزونة، هذه المنطقة ستشهد مأتما جماعيا لأناس توزعت أخطائهم بين طفل ذاهب للروضة وجار يوصل جاره وعائلته وزوج وزوجته كانوا فيما يبدو ذاهبين لزيارة أحد أبنائهم في القرية المجاورة أو مراجعة طبيب.

و عسكري يقف على حاجز ليمنع كائنات أشبه بالمسوخ و”الزومبيز” من نشر سوادهم على بقعة جغرافية أكبر، لتضاف صورهم إلى ألاف سبقوهم على حيطان إحدى أصغر محافظات هذا البلد المنكوب.

 

علاء خطيب – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى