العناوين الرئيسيةكاسة شاي

لماذا يحب السوريون الصيف؟

هذا العام، كما الأعوام القليلة السابقة، ينتظر معظم السوريين قدوم فصل الصيف بفارغ الصبر، فالشتاء بات يستنزف صبرهم وقوتهم، والصيف صار استراحة محارب يتأهب لمعركة جديدة في الحرب التي يعيشها منذ تسعة أعوام.

للصيف ميزات تقليدية يتغنى بها محبوه، ولا ينكرها محبي الشتاء من أصحاب الشاعرية العالية، أو الذين يكرهون الصيف القصير لحرارته أو لأسراب الحشرات التي تزعجهم وتؤرق لياليهم، والتي بالطبع، تعتبر مسألة بسيطة مقارنة “بويلات” الشتاء، التي لا تنتهي.
فالصيف عطلة المدارس والجامعات، إذا ما أغضضنا الطرف عن استثنائية ظروف هذا العام، فهذه العطلة تعني بالنسبة لكثير من الأسر مصروفاً أقل، وفي بعض الأحيان الحصول على مساعدة من الأولاد في بعض الأعمال والمهن أو حتى في المنازل.

والصيف فصل المأكولات الخفيفة واللذيذة، فمن المثلجات إلى الفواكه الصيفية كالبطيخ والشمام والخوخ والمشمش والكرز والفريز وغيرها بمواسمها القصيرة، التي تجعل الشوق إليها أكبر، والتمتع بلذتها مجلباً لبعض السعادة الملوّحة بالشمس.

وحتى مع تراجع قدرة السوريين المادية، لا تمر أشهر الصيف عليهم دون رحلة أو سيران “على قدّ الحال”، في الطبيعة أو بعض أماكن الاصطياف والسياحة، على اختلاف درجاتها، طلباً للراحة والاستمتاع بالفصل الحار.

بالطبع فإن ميزات الصيف هذه يتمتع بها كل الناس، ربما في جميع أو معظم بلدان العالم، لكن صيف السوريين، مختلف ويحمل ميزات أخرى تبدأ باستعادة الأنفاس والاستراحة من الجري وراء تأمين وسائل التدفئة للشتاء الطويل.

الشتاء الذي يمتد لفترة تتجاوز أحياناً 6 أو 7 أشهر، يقضيها السوري وهو عالق بين الحصول على ليترات المازوت المباركة ببطاقته “الذكية”، والتي قد تمر أشهر الشتاء دون أن “يتنعمّ” بدفئها، وبين شراء مازوت حر، يستطيع بثمنه وحده أن يرفع درجة حرارة الجسد.

وكل ذلك طبعاً بالنسبة لفئة يقلّ عدد المنضويين فيها، يوما بعد يوم، ولاتزال تعتمد على المازوت لمواجهة الشتاء العابس.

أما قصة الكهرباء، فاللصيف استراتيجية أكثر استيعاباً لمزاجها المتقلب، فهي تحضر لساعات أطول، مستفيدة من غياب العواصف، و جرأة البعض بالاعتماد عليها للتدفئة خلال الشتاء.

ويُجمع كثيرون على أن غيابها صيفاً، رغم الحاجة إليها لتخفيف الحر أحياناً، يبقى أسهل من غيابها الشتائي الكارثي، خاصة مع وجود فئة أكثر “وقاحة” تعتمد عليها للطبخ، أو بديلاً للغاز الذي أصبح الحصول عليه أكثر تعقيداً وأصعب منالاً .

حيث تعقد الكهرباء خلال الصيف “هدنة” مع السوري، لا تخلو من بعض المناوشات، متأثرة بنقص “الفيول” أحياناً في بعض المحطات، أو بعض الأعطال، أو زيادة “حجم الاستهلاك” و”الضغط على الشبكة” في بعض المناطق، مما يستوجب زيادة في ساعات التقنين.

وإذا ما أردنا استعراض الجوانب التوفيرية للصيف، فسنبدأ بسلسلة طويلة تبدأ من أسعار الخضار وبعض الفواكه، التي يُفترض أن تنخفض بسبب توافرها بكثرة، ولا تنتهي بالملابس الصيفية، حتى المستعملة منها والتي هي أرخص بكثير عن تلك الشتوية، وأكثر خفة على الجسد والجيب.

وحتى الطبخات الصيفية تعدّ أكثر توفيراً، ويمكن في الصيف الاستغناء عن وجود المونة بسبب وجود ما هو طازج من المواد، كما يوفرّ السوريون مصروف المدارس والدروس الخاصة، مع استغناء كثير من الأسر عن الدروس الصيفية أو النوادي والمعاهد، في محاولة لضغط النفقات.

ويستطيع السوري أن يتحمل حرارة مرتفعة مدة شهرين أو أكثر بقليل نهاراً، وليلاً لطيفاً في معظم أيام الصيف، أكثر من احتماله برودة نهارات الشتاء والتي تزداد ليلاً، فاسحة المجال لمختلف أنواع الأمراض والفيروسات، بإضافة عبء آخر مرهق مادياً وجسدياً.

لا يستطيع السوري لوم الطبيعة على شتائها الطويل، الذي تتجدد عواصفه حتى مع دخول شهر أيار، ويستقبل احتمال حصول كوارث طبيعة بكثير من السخرية، شحذته بها سنوات من العناء المضاعف شتاء، والذي لا يلوح له آخر في الأفق القريب.

وبعيداً عن كل ذلك، بيّنت دراسات أن ضوء الشمس يعمل على تعزيز الحالة المزاجية الإيجابية، والتخفيف من الحالة السلبية وتقليل التعب، وكذلك على السلوك العام، وفي دراسات أخرى أظهرت ارتباط الشمس والطقس الدافئ بتحسين الذاكرة والحالة العقلية.

وبالمقابل فإن للطقس الغائم والبارد تأثير سيء على المزاج، والحالة النفسية العامة، وهذا ما يفسر ميل البعض للاكتئاب خلال الشتاء.

نقطة أخرى تُحسب للصيف السوري، يذكرها أحدهم لتلفزيون الخبر، وهي أنه يمنحه نهاراً أطول للعمل بدوام إضافي هو بأمس الحاجة إليه هذه الأيام، ومع تراجع شعبية الشتاء ورومنسيته، ينتظر السوريون هذا الصيف ولسان حالهم يقول “بارك الله فيه، رغم حرّه وناموسه”.

 

رنا سليمان _ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى