العناوين الرئيسيةثقافة وفن

كيف يشرب “حصان بريطاني” من “ساحة المالكي” الدمشقية؟

ما إن انتهى كابوس تمثال الملكة زنوبيا في ساحة الأمويين، حتى برز آخر متعلق بمنحوتة رأس الحصان الذي يشرب من مياه البحيرة في ساحة المالكي.

صحيح أن الفرق بينهما شاسع على الصعيد الجمالي، فالعمل النحتي لزنوبيا وعربتها كارثي بكل ما في الكلمة من معنى، بينما رأس الحصان مُتقَن ومشغول بحرفية عالية لكنه للأسف مسروق حرفياً.

العمل الذي وضع في ساحة المالكي وتمت إزالته بعد 24 ساعة “لاستدراك بعض المشاكل الفنية التي تمت ملاحظتها” كما أكدت محافظة دمشق، مُطابق تماماً لعمل النحات الإنكليزي “نيك فيديان غرين” الذي يحمل اسم “مياه راكدة” وهو عبارة عن رأس حصان من البرونز، بوزن 18 طن وارتفاع 10 أمتار.

وأُشيد تمثال “غرين” في حديقة “هايد بارك” في العاصمة البريطانية لندن عام 2011 ويعد من أكبر أعمال الفنان المتخصص بنحت نماذج نابضة بالحياة لرؤوس الخيول.

والسؤال المطروح: لماذا كل هذا الإصرار على استبعاد أصحاب الأفكار النحتية الهامة في سوريا من قبل القائمين على محافظة دمشق وتزيين ساحاتها؟ فإما تماثيل مشوَّهة وعديمة القيمة جمالياً أو نسخ لصق عن أعمال أجنبية؟

ثم ألا يمكن طرح مسابقة يشارك فيها النحاتون السوريون يطرحون فيها أفكارهم عن تماثيل مستوحاة من وحي أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، وفي الوقت ذاته يكون لها أبعاد اجتماعية وفنية مؤثرة في كل من يشاهدها.

ضمن هذا الجدل لا يمكن نسيان الكوارث التي قدمتها الملتقيات النحتية التي أقيمت في دمشق وكلَّفت الملايين ونُشِرَت نتاجاتها في الحدائق العامة، وكانت بمعظمها تجريدية درءاً للتجسيد المرفوض من قبل “المتشددين الدينيين”.

وبحجة مراعاة الفكر المتطرف الذي لا يهتم بالجَمال الفني، “اتّسخت” ساحات دمشق بأعمال من دون أي ملمح نحتي مميز، بل عبارة عن مكعبات ضخمة من دون روح مع بعض الزخرفات البشعة.

هنا لا يمكن نسيان الكثير من أسماء المبدعين السوريين في النحت، والتي يمكن الاستفادة من أعمالهم ووضعها في ساحة عامة لما تجسده من أبعاد فنية وفكرية تناسب هوية دمشق والروح السورية، منهم على سبيل المثال “فايز نهري”، “أكثم عبد الحميد”، “لطفي الرمحين”، “منذر كم نقش”،…

لكن على ما يبدو أن البعض يضع في ذهنه إما “السرقة المادية”، أو “السرقة الفكرية”، أو تشويه المدينة، ولا يرضيهم غير ذلك، أما التَّستُّر وراء “لاستدراك بعض المشاكل الفنية” فلا تنطلي على أحد.

وللأسف ما يزال أصحاب الاختصاص والمبدعون المتخرجون من كلية الفنون الجميلة وغيرها من المعاهد الفنية بعيدون عن تفكير القائمين على محافظة دمشق، فليس المهم تزيين المدينة وإنما تشويهها فكرياً وبصرياً وجمالياً.

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى