العناوين الرئيسيةثقافة وفن

في قرية عين البيضا اللاذقانية.. “يوسف الأطرش” الحِرَفيّ العتيق

من يمر من قرية “عين البيضا” في اللاذقية، وتحديداً عند مفرق متحف “برهان حيدر” للفنون الشعبية، لا بد سيلاحظ العم “يوسف نصر الأطرش” يجلس أمام دكانه البسيطة، على كرسي من القش، وبيديه قطعة خشب ينحتها ويداورها لتتحول إلى شيء مُفرح ومفيد في الوقت ذاته.

تغضُّنات وجه العم “يوسف” ولون عينيه السماوي خلف نظارته السميكة يوحيان بأنه “عتيق” رغم أنه من مواليد 1945، لكن علاقته بمهنته التراثية التي ورثها عن والده، واعتماده عليها في العيش بعد تقاعده من مؤسسة المياه، جعلت ملامحه تتماهى مع جَمال المنحوتات التي يصنعها ومع بساطتها.

وفوق ذلك فإن روحه التي يبثها عبر “الشّبّابة” التي يعزف عليها، تجمع في حناياها شجناً عميقاً، وكأنه ترجيعُ صدىً لأزمانٍ فائتة، ربما تزيد عن مئات السنين من مجابهة صعوبات الحياة، وتسخير الطبيعة للتغلب عليها، والأهم المحافظة عليها نقية من دون شوائب المُعاصَرة.

التقى تلفزيون الخبر مع العم “يوسف الأطرش” الذي قال:

“منذ وعيي على هذه الحياة وأنا أعمل في صناعة كراسي القش، والملاعق والمناقل، والشَّبَّابات (آلة تشبه الناي)، وأي منحوتة أخرى، إذ أستطيع أن أرسم أي صورة ثم أنحتها سواء على الخشب أو على الحجر”.

وأوضح العم “أبو علي”، كما يحب أن نسميه، بأنه تعلم النحت بنفسه، فهو يحمل هذه الموهبة منذ صغره، أما ما يتعلَّق بآلية العمل فتعلمها من والده وعمه الذي ورث عنهما محبته للخشب والاشتغال فيه.

واستعاد معنا “الأطرش” ذكرياته عندما كانت أخواته في المدرسة يطلبن مساعدته في أشغالهن اليدوية، قائلاً: “مرّة نحتُّ لهن عصفوران متجاوران فأخذن أعلى العلامات”، مضيفاً: “وأولادي أيضاً يحظون بأعلى العلامات في مادة الرسم والأشغال عندما أساعدهم في نحت سمكة مثلاً، بعد أن أضع لها قاعدة”.

يقول العم أبو علي: “أحب كل منحوتاتي، وأي شيء يخطر على بالي أنحته، أستخدم أكثر الأحيان خشب “القيقب”، وعِدَّتي مقتصرة على أداة اسمها “العوِّيقة” من أجل الحفر إلى جانب “قدُّوم” النَّجَّار، وأول عهدي بمهنتي كانت من خلال كراسي القش، ثم صناعة الحصير الخاص بالكرسي، وبعدها أطباق القش، ثم انتقلت إلى الحفر على الخشب، وهنا تفوقت على والدي وعمي اللذين علماني المهنة”.

 

وحول طريقة صنع كراسي القش يوضح بأنه يتم استخدام نبات “البردى” و”السعيده” كجدائل تُلَفّ بعد ترطيبها بالماء على الهيكل الخشبي للكرسي، أما الملاعق والمناقل وغيرها فعن طريق الحفر اليدوي لا غير.

ويضيف “الأطرش”: “حاولت أن أدخل بعض الآلات إلى مهنتي، لكن ضمن جمعية الحرف اليدوية يرفضون ذلك، وحينها سينسبونني إلى الصناعيين، لذلك حافظت على تراثي وتفاصيله، لاسيما أنني أحس أن التراث يذكر الناس بالأصالة وبالأشياء القديمة”.

وباح لنا “الأطرش” بأنه كان هناك أناس يتضايقون منه، وتضيق عينهم على أشغاله، ويحاولون إيذاءه، حتى أنهم كسروا مرة دكانه ومحتوياتها، حينها لجأ إلى المحافظ في إحدى زياراته للمتحف اليدوي القريب، وأعطاه إذناً بالجلوس هنا على زاوية المتحف، وصار له في هذه الدكانة منذ عام 2009.

وكنوع من الهدية وتعميق المحبة مع تلفزيون الخبر وفريقه عزف العم “أبو علي” على الشبابة لحناً أعادنا إلى أصوات أوغاريت في أول نوتة عرفها العالم، قائلاً: “حتى العزف تعلمته أيضاً بنفسي، وكل من لديه الرغبة بتعلم تفاصيل مهنتي أو العزف فأنا مستعد لوضع مفاتيحهم بين يديه”.

بديع صنيج- تلفزيون الخبر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى