كاسة شاي

في ذكرى وفاة “الموسيقار الحزين”.. فريد الأطرش سوري وليس مصري

من سوريا إلى مصر ثم بيروت التي توفي فيها يوم 26 كانون الأول في العام 1974، بعد مشوار فني قضاه الفنان السوري الشامل، والموسيقار الحزين، كما لقب، فريد الأطرش بين الغناء والتلحين والتمثيل، وهو المولود عام 1915 في “القْرَيَّة” في محافظة السويداء، منتمياً إلى عائلة الأطرش إحدى عائلات الأمراء في المحافظة آنذاك.

انتقل فريد الأطرش إلى بلدة حاصبيا في لبنان بعد انتقال عمل والده إليها، كان حينها صبياً يافعاً يتتبع أنباء القتال بين الرجال الوطنيين وقوات الاستعمار الفرنسي فيؤلف الروايات الوطنية ويجمع أولاد حارته ويوزع عليهم الأدوار التمثيلية ويصوغها حوارات غنائية ثم يدعو أهل الحارة لمشاهدة هذه التمثيليات.

ونزح فريد بعد ذلك إلى مصر بعد التحاق والده بالثورة السورية الكبرى في جبل العرب على المستعمر الفرنسي، وكان طفلاً برفقة والدته وأخيه الأكبر فؤاد وأخته الصغرى آمال التي عرفت باسم أسمهان، وفي القاهرة بدأ مسيرة الفن مع شقيقته وانتهت الطريق بهما إلى شهرة واسعة في جميع أرجاء الوطن العربي.

وبدأ الأطرش حياته الموسيقية عندما كان تلميذاً في المدرسة الابتدائية في القاهرة، وغنى الإذاعات المحلية الخاصة ولم يتابع دراسته في تلك المدرسة، ما أدى إلى فصله من المدرسة والتحاقه بمدرسة أخرى أنهى فيها دراسته الابتدائية.

و التحق فريد الأطرش بالنادي الموسيقي الشرقي وبدأ ينتقل بين الملاهي والصالات الموسيقية مؤدياً بعض الأغاني فيها،. ليتعرّف خلال ذلك على كثيراً من المطربين والملحنين، وكان من أساتذته رياض السنباطي الذي علمه العزف على العود.

وكان من أساتذته أيضاً الملحن اللبناني فريد غصن الذي كان يضع له ولشقيقته أسمهان ألحان الأغاني التي غنياها في بدء حياتهما الفنية، بينما لم يدرس فريد الموسيقى دراسة علمية منتظمة، لكنه كان موهوباً، كثير الاعتماد على الإلهام والحس الموسيقي، وضمّن موسيقاه الكثير من الألحان الغربية.

ومن الأمور التي ساعدته في انطلاقته الموسيقية الفنية، الجو الفني الذي عاش في وسطه، وموهبته، ودفء صوته، ومهارته في العزف على العود، وعذوبة صوت أسمهان التي لحن لها بعض أغانيها، يضاف إلى ذلك تأثير عدد من كبار الموسيقيين الذين كانوا يترددون على المجالس الموسيقية والأدبية في بيت والدته.

وكان من هؤلاء الموسيقيين : “داود حسني، ومحمد القصبجي، وفريد غصن، وفي هذه الأجواء الفنية المختلفة نَمَت معارف فريد الموسيقية واكتسب خبرات علمية أغنت ثقافته الموسيقية وعوضته عن الدراسات الأكاديمية التي افتقدها”.

ونقل فريد ألحانه من موسيقى التخت الشرقي إلى الموسيقى الحديثة مستعيناً بألوان التوزيع الآلي في أغانيه مثل: “يا زهرة في خيالي” و”لحن الخلود” و”حكاية غرامي”.

و برَّز فريد في الأغنية الخفيفة والشعبية واختص بألوانهما مستفيداً من الألحان والأغاني الشعبية السورية التي كان يحفظها في طفولته، مما جعل لأغانيه مسحة فنية جديدة في الأوساط الموسيقية السائدة آنذاك.

وكانت أغنية “يا ريتني طير” أول أغنياته التي انطلق منها وكان لها نصيب في شهرته، وهي من ألحان الملحن السوري مصطفى اللبابيدي، وبنقله الأغنية السورية إلى مصر فريد قد أسهم في توحيد الثقافة الموسيقية العربية.

أما سينمائياً، أتاحت السينما العربية مجالاً كبيراً لمواهب فريد الأطرش الموسيقية والفنية، حيث وضع لها الموسيقى الغنائية والراقصة والمرافقة منذ بداية الأربعينات وقام بتلحين لوحات استعراضية غنائية راقصة أطلق عليها اسم “أوبريت” مثل “أوبريت انتصار الشباب” و”أوبريت بساط الريح”.

ومن أشهر هذه الأفلام: “انتصار الشباب” الذي شارك ببطولته أسمهان وأنور وجدي، واختتمت حوادث هذا الفيلم باستعراض غنائي هو “ليالي الأنس” الذي كان الأول من نوعه، وفيلم “حبيب العمر” الذي قامت بدور البطولة فيه إلى جانب فريد الراقصة سامية جمال، وفيلم “لحن الخلود” الذي التقى فيه مع فاتن حمامة.

إضافة إلى فيلم “غرام وانتقام” بطولة يوسف وهبي وأسمهان، وقد لحّن فريد فيه ثلاث أغنيات هي: “ليالي الأنس” و”أنا أهوى” و”يا ديرتي مالك علينا لوم”، وفيلم “نغم في حياتي” الذي كان نهاية أفلامه إذ قام بتمثيل آخر لقطاته قبل شهرين من وفاته، و فاق عدد الأفلام، التي أسهم فيها تمثيلاً وبطولةً أو إنتاجاً أو وضع موسيقاها، الثلاثين.

و لاقت أغاني فريد الأطرش وألحانه ومؤلفاته الموسيقية استحساناً واسعاً لحداثتها، ولما فيها من عفوية وذوق موسيقي مرهف استطاع بهما أن يحتفظ بحب الجماهير له ولفنه، وتُعد أغانيه التي لحَّنها لشقيقته أسمهان في أجمل ألحانه مثل: “نويت أداري ألامي” و”عليك صلاة الله وسلامه” و”رجعت لك يا حبيبي”، إضافة إلى أغاني فيلمي “انتصار الشباب” و”غرام وانتقام”.

وتوصف أغاني فريد وألحانه بغنى العاطفة الجياشة، ويترجح أسلوبه فيها بين المرح والنواح والتأسّي، ولعل السبب في ذلك إلى حياته الاجتماعية القلقة وتجاربه العاطفية المعذبة والإخفاق بها.

كما لا يمكن إغفال مهارة العزف على العود لدى فريد الأطرش بالاضافة إلى الغناء والتلحين، حيث يعد عازفاً ماهراً على العود يعرف كيف يثير إعجاب مستمعيه بأدائه المتميز.

يذكر أن فريد الأطرش لم يتزوج لأنه كان يؤمن بأن الحب يولّد الانفعالات فيخلق الإحساس المرهف ويغذي كيان الفنان وعقله وروحه، وأما الزواج، في نظره، فيقتل الحب وهو “بَلْوة الحياة”، وفق ما نقل عنه خلال أحد لقاءاته.

روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى