العناوين الرئيسيةمجتمع

فلسفة اللامبالاة أمام قسوة الواقع.. هل وصل إليها السوريون؟

يرى محمود درويش في “اللامبالاة فلسفة.. إنها صفة من صفات الأمل”، فأي أمل يعيشه هؤلاء الذين أوصلتهم ظروف الحياة إلى درجة اللامبالاة بما ستؤول إليه الأمور، وهل يقدر الإنسان حقا على الوقوف موقف اللامبالي أمام قسوة واقعه؟

يعتبر كتاب وأدباء من عصور مختلفة أن اللامبالاة قوة في باطنها، تمكن الإنسان من تجاوز التفكير بعواقب الأمور أو مسبباتها، حتى في مواقف الألم والمعاناة، إلى اللحظة الراهنة التي يملكها الإنسان.

وباستطلاع آراء سوريين ينتمون إلى فئات عمرية مختلفة، يظهر أن اللامبالاة أو القدرة على تجاوز الغرق في الهموم التي لا تحصى في يومياتهم، تزداد لدى كبار السن من الذين خبروا مواقف حياتية كثيرة، وباتوا يعرفون أن الأمور ستحل عاجلا أم آجلا سواء ققلقناأم لم نفعل.

وبطبيعة الحال، تبدو اللامبالاة كذلك لدى العديد من صغار السن الذين لهم همومهم الخاصة، سريعة الزوال، ويتعلق غالبيتها بشؤون عاطفية أو أمور مرتبطة بشخص لا يحمل الكثير من المسؤولية.

ووتقوتقول “زينا” ( 15) عاماً، لتلفزيون الخبر “لدي همومي الخاصة، وأغلبها مؤقت مثل هم الامتحان أو مشكلة عابرة مع أحد الأصدقاء، أو كيف أقنع أمي بشراء كنزة أو حذاء يعجبني”.

ولا تمثل وجهة نظر زينا، رأي جميع أبناء جيلها، فالهموم التي يحملها الأهل، تنتقل إلى الأولاد، ولو بدرجة أقل، كما يقول حسين (17عاما): “أنا على أبواب البكلوريا، وأعرف أن أوضاع اهلي المادية ليست جيدة، وأنا بحاجة إلى دروس خاصة، أفكر في هذا الهم ليل نهار، وأبحث عن عمل رغم رفض والدي للأمر، فلا أستطيع أن أكون لا مبالياً”.

اللامبالاة تفرض نفسها، كما في حالة أحد الشباب الذي لم يرغب بذكر اسمه، “وصلت إلى مرحلة اللامبالاة مرغماً، فماذا ينفع الهم إذا كنت أشعر بالعجز عن تغيير واقعي؟ أنا الآن مكبل بالخدمة الإلزامية، وأمام انتظار الفرج لا ينفع سوى بعض الاهتمام”.

على أن لهجة الشاب، لا تشي بلامبالاة حقيقية، فانتظار شيء ما، أو تغير واقع الحال المفروض، يعني أن هناك قلقا خفيا أو كما أسماه درويش “أملاً” بأن تصبح الحال أفضل يوماً ما.

غسان ( 55 عاما، أب لأربعة أطفال)، يعتبر أن اللامبالاة رفاهية لا يقدر عليها، فكيف سيستطيع ان يقف لا مباليا أمام حاجات أسرة كاملة، تقع على عاتقه بالدرجة الأولى؟”

حالة غسان يشاركه فيها القسم الأكبر من الذين شاركوا في الاستطلاع من أرباب وربات الأسر، “فهم تأمين المتطلبات اليومية في ظل أوضاع اقتصادية سيئة تمر بها البلاد، أقوى من أن ندير ظهرنا ببساطة ونعتبر كأن شيئا لم يكن”، يضيف غسان.

من جانبها أم غسان، وهي سيدة سبعينية، تقول إن “هموم الأهل اليوم أكبر، لم نكن لا مبالين، لكن أعتقد أننا كنا نأخذ الأمور ببساطة أكثر، ونؤمن بأن “الإنسان في التفكير، لكن الله في التدبير”.

وتقرّ أم غسان بأن “الأمور اليوم أصعب”، ويوافقها ابنها الثاني “حسن” الذي يجيب بأنه “لا يستطيع أن يقف موقف اللامبالي أمام حاجة ابنه للحليب أو طلب ابنته لدراجة، وهو غير قادر على شرائها، لذلك يرى أن الأمور نسبية وترتبط بوضع الشخص نفسه ومسؤولياته”.

“أحاول ألا أفكر كثيرا، لكنني أفشل في بعض الأحيان”، تقول رهف ابنة ال 30عاما، التي تسمع كثيرا سؤال : لماذا لم تتزوجي بعد؟” فتحاول الظهور بمظهر اللامبالية، مع أن السؤال يحملها هما لا تقدر على تغييره في هذا المجتمع” على حد تعبيرها.

وبرأي “محمد” (مهندس 40عاما) من المستحيل أن يكون الإنسان لامباليا بشكل دائم، نعم أقول لنفسي في بعض الأحيان إن هذا الأمر لا يستحق التفكير فيه، وأحيانا أخرى لا أفكر فيه مطولا، لكن هناك ظروف تفرض نفسها، ولا نستطيع أن نتجاهلها”.

هل هناك أشخاص لا مبالون بطبيعتهم؟

بحسب علم النفس نعم، لدى بعض الأشخاص ميل أكثر من غيرهم إلى اللامبالاة وأخذ الأمور ببساطة، في حين يميل آخرون إلى التفكير الزائد بمشكلة ما أو وضع معين يمرون فيه، ومن الممكن أن تسبب المشاكل المتراكمة وصول الإنسان إلى حالة اللامبالاة، وهي غير سيئة بل صحية أحياناً، ما لم ترتبط بحالة اكتئاب أو إحجام عن العمل والسعي.

تمثل اللامبالاة فلسفة قديمة عرفتها فمثلاً الفلسفة الرواقية تدعو إلى اللامبالاة تجاه الأمور التي لا تصنع فرقا، والتي هي في مفهومهم الثروة والشهرة وحتى المعاناة.

وبحسب مقال نشره موقع “المحطة” فإن الفلسفة الرواقية كانت تدعو إزاء تحقيق نوع من التوزان فلا ينفعل الإنسان بشدّة تجاه مجريات الحياة وتقلباتها”، لكن إلى أي درجة يمكن ذلك؟

وكان “ديوجين” يرى أنّه ما من جدوى في إعمال الفكر بأفكار مجردة والتأمل بما يتجاوز اللحظة الحاضرة، لأنّ ذلك يسرق الإنسان ممّا يملكه بين يديه يقيناً إلى ما هو قائم في عالم الأفكار والأوهام.

رنا سليمان _ تلفزيون الخبر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى