العناوين الرئيسيةسوريين عن جد

فارس بيك الخوري.. وطني حارب احتلالين بسوريا موحدة

لم يكن فارس بيك الخوري رجل سياسة عادياً، بل رجلاً استثنائياً، حارب كل أشكال الاحتلال من العثماني إلى الفرنسي، ودعا إلى توحيد السوريين، متنقلاً بعقله المتنور والمثقف في مناصب أكاديمية وسياسية شتى، حتى وصل “عميد السياسة السورية” في ذلك الوقت إلى منصب مجلس رئيس الوزراء.

ولد فارس الخوري عام 1877، في قرية الكفير في مدينة حاصبية جنوب لبنان، فيما كان يعرف بـ”سوريا الكبرى”، وكبر فيها حتى أن منزل مولده لا يزال على حاله فيها.

وعرف عن فارس بيك أنه كان قارئاً نهماً، ومثقفاً عميق المعرفة، وتوسع في ميادين الأدب والعلوم والفلسفة والفن والسياسة.

دخل فارس الخوري مدرسة قريته، ثم انتقل إلى صيدا وهناك التحق فيها بالمدرسة الأمريكية، ولاحقاً دخل إلى الكلية الإنجيلية (الجامعة الأمريكية في بيروت حالياً)، وتخرج بشهادة في العلوم عام 1897.

كان القلم رفيق فارس بيك، يكتب فيه الشعر والنثر، ولمختلف المناسبات، وغذى من خلال ذلك ميوله الأدبية، بعدما اشتهر بحفظه الشعر والزجل.

بدأ الخوري مسيرته في دمشق من مدرسة “الآسية” وتنقل مدرساً في أكثر من مدرسة، حتى العام 1908 حيث أُعلن الدستور العثماني، وحينها قرر اتخاذ دوره الريادي في الدفاع عن سوريا، وبدأ بتعلم اللغات التركية والفرنسية والتركية، ثم تعلم الحقوق بشكل ذاتي، وغدا أستاذاً في معهد دمشق حينها.

وتوالت مهامه حتى صار نقيباً للمحامين وعضواً في لجنة الحقوق الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة، وألف مجموعة من الكتب منها كتاب أصول المحاكمات الحقوقية في الصكوك الجزائية، وهو الكتاب الذي يعتبر مرجعا مهما حتى يومنا هذا.

دخل فارس الخوري معترك السياسة بانتمائه إلى جمعية الاتحاد والترقي، التي ناهضت السلطان العثماني، وعملت على عزله إلى أن تحقق ذلك عام 1909، وتزامناً مع ذلك، غدا الخوري جاهزا للولوج إلى عالم السياسة، فشغل منصب عضو في بلدية دمشق عام 1910، وبعدها خاض الانتخابات البرلمانية عام 1914 وفازا فوزا كاسحا بأغلبية الأصوات في دمشق.

وأصبح فارس عضوا في مجلس المبعوثان العثماني (البرلمان)، وبعدما عين جمال باشا السفاح والياً على دمشق، استدعى فارس بيك، وطلب منه ألا يتدخل ضد قراراته، ثم سجنه دون أن يحاكمه.

وخلال الحرب العالمية الأولى، أصبح فارس الخوري وزيراً للمالية، في حكومة رضا باشا الركابي، وقام بإصلاحات جذرية، فربط العملة السورية بالذهب وجعله معيار حماية لها.

وبعد استعمار سوريا من قبل الفرنسيين، تروى حكاية مواجهة فارس بيك للجنرال “غورو” حين أٌقام الجنرال عشاءً في قصر ناظم بيك حيث يستقر، وتهكم على القصر، ليواجهه “الخوري” بالقول “كل من سكن هذا القصر رحل، وسترحل أنت يوما ما”.

إبان فترة الانتداب الفرنسي نشط فارس بيك، وأصبح أول نقيب للمحامين في سوريا، وعمل أستاذا في معهد الحقوق الذي أسهم في تأسيسه، واعتبر المعهد رمزا للدفاع عن الحريات في وجه فرنسا.

في عام 1925اعتُقل فارس بيك وعبد الرحمن الشهبندر في سجن جزيرة أرواد، وفي 1926 نُفي إلى الحسكة وفرضت عليه الإقامة الجبرية.

ومن أشهر موافق فارس الخوري، ما حدث خلال “الثورة السورية الكبرى”، وفي ذلك الحين، بدأت فرنسا بإيحاء أن مسيحيي سوريا يطالبون الانتداب بحمايتهم، وانطلاقاً من ذلك، ذهب فارس بيك إلى المسجد الأموي واعتلى المنبر وقال: “إن الفرنسيين يقولون إن المسيحيين يطلبون حماية منهم، وأنا من هنا أعلنها أنني أطلب الحماية من شعبي”.

وبدأت المفاوضات بين الفرنسيين والسوريين في باريس عام 1936، وكان فارس خوري عضوا فاعلا في تلك المفاوضات، وكان دوره صياغة المعاهدة، وأصبح في ذلك الحين أول رئيس للبرلمان في عهد الاستقلال عام 1936 وحصل على 81 صوتا من أصل 82.

وتالياً، أصبح فارس بيك رئيسا للوزراء عام 1945، وترأس الوفد السوري المكلف بحث الجلاء في الأمم المتحدة وعُين مندوبا لسوريا فيها، وفي عام 1947 انتُخب عضوا في مجلس الأمن الدولي، ثم أصبح رئيسا له في العام نفسه.

وسجل التاريخ موقفاً له في مجلس الأمن مع المندوب الفرنسي عام 1946، حين جلس فارس بيك على المقعد الخاص بالمندوب الفرنسي الذي فوجئ به يحتل مقعده، فطلب منه الانتقال إلى المقعد الخاص بسوريا، لكن فارس الخوري تجاهله، وأخرج ساعته من جيب سترته وراح يتأمل فيها، بينما المندوب الفرنسي استشاط غضبا”.

وبعد ذلك وتحديداً عند الدقيقة الـ25 قال له فارس بيك بلغة فرنسية واضحة: سعادة السفير، جلستُ على مقعدك 25 دقيقة فكدتَ تقتلني غضبا وحنقا، سوريا استحملت سفالة جنودكم 25 سنة، وآن لها أن تستقل”.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، عبر فارس بيك الخوري، عن موقفه من تقسيم فلسطين قائلاً “قضية فلسطين لن تحل في أروقة مجلس الأمن، لكنها ستحل على ثرى فلسطين”.

استمرت مسيرة عطاء فارس بيك الخوري المحنك سياسياً حتى عام 1962 حين غيبه الموت في العقد الثامن من العمر، بعد مسيرة طويلة من السياسة والعلم والتسويات، والإبقاء على المواقف الوطنية لسوريا التي أحب.

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى