فلاش

غسان كنفاني وطن بهيئة رجل ..والوطن لا يموت

إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نُغَير المدافعين لا أن نُغَير القضية.. أموت وسلاحي بيدي، لا أن أحيا وسلاحي بيد عدوي، خلقت أكتاف الرجال لحمل البنادق، فإما عظماءً فوق الأرض أوعظاماً في جوفها..إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت، إنها قضية الباقين.

هذه الاقتباسات غيضٌ من فيض مما خلّده لنا قلم الشهيد غسان كنفاني..فالسلاح في فكر غسان كان قلماً، وساحات معاركه كانت صفحات الجرائد، سلاحٌ واجه به العدو الذي رهن حياته وعلمه لمقاومته، فغسان كنفاني من ولادته حتى استشهاده كان شوكة في حناجر العدو “الاسرائيلي”.

حيث شهدت مدينة عكا الفلسطينية في التاسع من نيسان عام 1936مولد الشهيد غسان كنفاني، في الوقت الذي بدأت فيه الثورة الفلسطينية الشعبية ضد الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية.

وحين احتل العدو “الاسرائيلي” مدينة عكا في آذار سنة 1948، كان غسان بلغ الثانية عشرة من عمره وخرج من بلده مع أسرته مهاجراً إلى جنوب لبنان.

و انتقل بعد ذلك إلى دمشق، حيث لم تعد أحواله المعيشية مع والديه كما كانت عليها من قبل، و بدأت العائلة رحلتها مع العمل والدراسة والنضال.

و أعال غسان أسرته النازحة في الوقت الذي استمر فيه بالدراسة ليلاً، و حاز على شهادة الدراسة الإعدادية فاشتغل معلماً في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في دمشق، تحديداً في مدرسة الاليانس في دمشق، ثم حاز على شهادة الدراسة الثانوية.

و بدأ غسان كنفاني حياته السياسية عام 1953م حين قابل الدكتور جورج حبش الذي يعد مؤسساً لحركة القوميين العرب، وكانت المقابلة في دمشق، وخلال تلك الفترة على وجه التحديد بدأ غسان يمارس حياته السياسية بشكل واعٍ كعضو فعال في حركة القوميين العرب.

والتحق كنفاني بجامعة دمشق في قسم اللغة العربية لمدة ثلاث سنوات، إلى أن ترك دمشق سنة 1955 متجهاً إلى الكويت للعمل مدرساً للتربية الرياضية والرسم في مدارسها.

وخلال متابعة عمله في الكويت انتسب إلى جامعة دمشق، ونال شهادة الإجازة في الآداب من قسم اللغة العربية، وكانت الرسالة التي قدمها في سنة دراسته الأخيرة (العرق والدين في الأدب الصهيوني)، و كتب في الكويت أولى قصصه القصيرة “القميص المسروق” التى نال عليها الجائزة الأولى في مسابقة أدبية.

و في عام 1960 غادر الكويت إلى بيروت ليعمل محرراً في جريدة “الحرية”، كما عمل في جريدة “الأنوار”، ومجلة “الحوادث”، ورئيساً لتحرير “المحرر”

وفي عام 1967 بدأ عمله في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فعاش لحظات نشوئها حركة سياسية ثورية ونضالية تمارس الثورة التقدمية الفعلية، وتتفاعل ضمن خط استراتيجي وهدف وطني محدد وتبلور روح التحرير المستهدفة مع باقي منظمات المقاومة الفلسطينية.

و في عام 1969 أسس جريدة “الهدف”، الناطقة بلسان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي كان عضو المكتب السياسي لها، وبقي رئيساً لتحريرها حتى استشهاده.

و أثر في غسان الجهد الكبير الذي بذله في حياته فأصيب بمرض السكري وأدخل المستشفى ثم أخضع بعد خروجه لنظام غذائي وعلاجي مقيد فأثر هذا في نفس غسان ولكنه لم يفقده مرحه بل ظل يتحدى المرض حتى لحظة اغتياله.

واشترك غسان في دمشق في برنامج فلسطين في الإذاعة السورية وبرنامج الطلبة وكان يكتب بعض الشعر والمسرحيات والمقطوعات الوجدانية، وكانت تشجعه على ذلك وتأخذ بيده شقيقته التي كان لها في هذه الفترة تأثير كبير علي حياته.

و أسند إليه آنذاك تنظيم جناح فلسطين في معرض دمشق الدولي، وكان معظم ما عرض فيه من جهد غسان الشخصي، وذلك بالإضافة إلى معارض الرسم الأخرى التي أشرف عليها.

وكان دخول غسان إلى عالم السياسة مختلفاً، لأنه كان يمارس الكتابة، كممارسة سياسية، وكان يجدها دون معنى إن لم تنتج أثراً سياسياً أو تسعى إلى بناء جديد في السياسة.

و كان يرى معنى الكتابة في وظيفتها التحويلية، و في احتجاجها على وضع يجب تغييره، وكان يفتش حالماً بوضع جديد تختلط فيه الطليعة السياسية بالطليعة الثقافية وتتحدان في عمل نبيل غايته تحويل الواقع.

وخلدت الأجيال إلى يومنا هذا أدب غسان كنفاني الذي كان متفاعلاً مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعا عاشه، ويحارب المتقاعسين في مواجهة العدو “الاسرائيلي”، فأدب كنفاني واكب جميع الأجيال، بدءاً من أدب الأطفال.

و لغسان كنفاني روائع أدبية أثرت في حياة كل من قرأها، و حولتها السينما والتلفزيون الى أفلام ومسلسلات تابعتها الجماهير بشغف وإقبال.

وله أيضاً رائعة “رجال في الشمس” التي استوحاها من تجربة سفره الى الكويت، وله “ما تبقى لكم” التي تعد مكملة لرجال في الشمس، و”ارض البرتقال الحزين”، و”عائد الى حيفا” التي وصف فيها رحلة مواطني حيفا في انتقالهم الى عكا، وله “موت سرير رقم 12” التي استوحاها من مكوثه في المشفى بسبب المرض.

و تعد رواية “أم سعد” من أهم وأشهر روايات كنفاني التي خلدت ادباً خالصاً يدعو الى التمسك بالوطن والدفاع عنه، والتي قام فيها بنقل قصص واقعية لاشخاص واقعيين عاشوها.

و كانت لغسان عين الفنان وحسّه الشفاف المرهف فقد كانت في ذهنه في الفترة الأخيرة فكرة مكتملة لقصة رائعة استوحاها من مشاهدته أحد العمال وهو يكسر الصخر في “كراج” البناء التي يسكنها وكان ينوى تسميتها “الرجل والصخر”.

و لا يخفى على أحد أن غسان كنفاني هو أول من كتب عن شعراء المقاومة، ونشر لهم وتحدث عن أشعارهم وعن أزجالهم الشعبية فى الفترات الأولى لتعريف العالم العربي على شعر المقاومة.

و شكل غسان كنفاني وقلمه وفكره المقاوم منغّصاً كبيراً للعدو الاسرائيلي، وآذاه أكثر من رتلٍ من المقاتلين، لذلك حاول ملاحقته مراراً إلى أن اغتاله في لبنان في الثامن من تموز عام 1972 لما كان يشكله من خطر على مخططاته الاستعمارية.

وقالت حينها رئيسة وزراء العدو”جولدا مائير”: “اليوم تخلصنا من لواء فكري مسلح”، واستشهد غسان وبقيت ساعته تدق، وكأنه تنبأ بذلك في رواية “ماتبقى لكم” حين قال: “وما زالت الساعة تدق”.

إننا نحتاج إلى وقت طويل قبل أن نستوعب الطاقات والمواهب التى كان يتمتع بها غسان كنفاني، فماذا نقول وقد خسرناه ونحن أشد ما نكون فى حاجة إليه، إلى إيمانه وإخلاصه واستمراره على مدى سنوات في الوقت الذى تساقط سواه كأوراق الخريف.

روان السيد – تلفزيون الخبر

 
 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى