العناوين الرئيسيةمجتمع

عيد الصليب تقليد ديني سنوي يدخل الفرح إلى معلولا

ينتظر العم “أبو سليم” (70 عاماً) عيد الصليب من كل عام لـ “يفتح باب منزله على مصراعيه لاستقبال الزوّار من مختلف المحافظات السورية والاحتفال برفع الصليب في معلولا بريف دمشق التي تحتضن هذه الذكرى السنوية كتقليد ديني وعرف مجتمعي بعد العثور على صليب السيد المسيح في جبالها منذ سنوات طويلة”.

وقال “أبو سليم” لتلفزيون الخبر: “الاحتفالات بهذا اليوم تعود إلى أكثر من 1500 عاماً، حيث يحضّر سكّان المنطقة “الأرامي” (سلسلة من الحطب) لإشعالها بعد وضع الصلبان على الجبال، تزامناً مع إحياء القداديس في الكنائس”.

وردّد “أبو سليم” جملة “في عهدك يا هيلانة بقيانة النار شعلانة”، مضيفاً: “الامبراطور قسطنطين أراد البحث عن صليب السيد المسيح، فأرسل والدته القديسة هيلانة على رأس قافلة للبحث عنه، وبدورها أوعزت للحرس بإشعال النار على أعلى قمة موجودة عند العثور على الصليب”.

وأوضح الأب الروحي رأفت أبو النصر لتلفزيون الخبر أن “عيد الصليب هو مناسبة تاريخية يحتفل فيها المسيحيون منذ سنوات طويلة، كتعبير منهم على رفع الصليب، حيث يكمن تركيز الفكر المسيحي على أن الصليب مرحلة العبور من الوجع إلى الحرية ليس مركزاً للوجع”.

وأضاف “أبو النصر”: “في 13 أيلول من كل عام بمنطقة معلولا، أي في سهرة عيد الصليب يشعل السكان الخشب على الجبال كدلالة على انتصار الكنيسة بالعثور على صليب السيد المسيح في هذه البقعة الجغرافية آنذاك”.

وقال “أبو النصر”: “تعود تسمية رفع الصليب بالكريم والمحيي إلى أن العلامة التي أكدت بأن ذلك الصليب يعود للسيد المسيح هي عودة شخصية ميتة إلى الحياة بنعمة يسوع بعد وضعها على الصليب مباشرة”.

الصليب هو رمز الفرح

“فكرة رفعنا للصليب المسمّى في العامية عيد الصليب هي موجودة أساساً في إيماننا، ففي صلاتنا نحن رافعون للصليب بسبب عبادتنا للمصلوب عليه، نحن في الحقيقة نعظّم إيماننا بالمصلوب أي بالحياة التي انسكبت علينا من السيد المسيح في سر موته وقيامته”، بحسب “أبو النصر”.

وأردف “أبو النصر”: “الصليب المسيحي هو رمز الرجاء والفرح بعد أن أزال خوفنا من الموت، وصار لنا دعوة إلى قيامتنا كما كان منطلق السيد المسيح إلى قيامته من بين الأموات، نعلّقه في كنائسنا وبيوتنا وعلى صدورنا على رجاء تحررنا من الخطيئة”.

وقال “أبو النصر”: “نحن لا نسر للآلام ولا نقدسها، بل نرتضيها بالإيمان حتى نخرج منها إلى الفرح، لا نرحب نحن بأوجاعنا ولكن نرجو الله أن يحولنا بها إلى نور وجهه”.

“ومن خلال رمزية الصليب، أدخلت المسيحية مفهوماً جديداً لآلام المؤمن وهو أنها يمكن أن تقوده إلى السيد المسيح، لم تبق أوجاعنا علامة عن غضب الله، بل أصبحت صورة لافتقاده إيانا”، بحسب “أبو النصر”.

“ملعون كل من عُلق على الخشبة”

“جاء في العهد القديم جملة (ملعون كل من عُلق على الخشبة)، حيث أخذ السيد المبارك هذه اللعنة على نفسه عندما رفعوه على الخشبة ليرفع عنا اللعنة، وبهذا تحوّلت أداة العار إلى أداة الفرح والافتخار، فالصليب بعد موت السيد المسيح أصبح طريقنا إلى التحرر من الخطيئة”، بحسب “أبو النصر”.

وأفاد “أبو النصر ” إلى “رمزية رسم الأيقونات التي تصوّر المسيح على الصليب مفتوح العينين بأنها تدل على أنه بقي في الموت منتصراً على الموت، كما قال القديس (بولس) “المسيح لا يسود عليه الموت”، أي عبره المخلص عبوراً وفي هذا كانت نهاية الموت”.

ونوّه “أبو النصر” عن فكرة خاطئة شائعة عن المسيحية على أنها تقدّس وجع الإنسان، قائلاً: “هي تقبل وجع المؤمن مرحلة له في الصبر ولكن دائماً على رجاء القيامة، فتصوير المسيحية على أنها ديانة الألم تصوير لا يقيم وزناً لقيامة السيد المسيح التي هي المنتهى والغاية”.

وأشار “أبو النصر” إلى أن “يوم الجمعة العظيم في صلاة جناز السيد المسيح نحن لا نبكي، صلواتنا تشرف كلماتها على الفصح، وفي لحظة ترنيمنا لموت المخلص نقفز بكلمات كثيرة إلى الفصح لإيماننا بأن الموت ما قضى على المسيح، بل كان وثبة إلى القيامة”.

خشب الصليب من الأشجار “القلفونية”

توصّل باحثون إلى أن “ارتفاع صليب السيد المسيح أربعة أمتار وثمانين سنتمتراً، وطول عارضته يتراوح بين 2.3 و2.6 متراً، أي أن حجمه بلغ 178 ألف سنتمتراً مكعباً، مع تقدير وزنه بتسعين كيلو غراماً تقريباً، في حين تم فحص نوع خشب الصليب الحقيقي وثبت أنه من الأشجار (القلفونية)”، بحسب ما نقلت مواقع دينية مسيحية.

وذكر القديس “كيرلس” أن “أكبر الذخائر للصليب الحقيقي موجودة في سانتو توريبيو دي ليبانا بإسبانيا، وجزء من الصليب الحقيقي في فيينا والثلث في مدينة القدس في فلسطين”.

وفي العودة إلى التاريخ.. أرسل الامبراطور “قسطنطين” ثلاثة آلاف جندي للبحث عن الصليب، ثم اتفقوا على من يجد الصليب أولاً يشعل ناراً كبيرة في أعلى التلة، ومن هنا جاءت عادة إضاءة شعلة الصليب في ذكرى العيد.

وأمر الامبراطور “قسطنطين” بتوزيع أجزاء من خشبة الصليب على الكنائس آنذاك، واحتفظت كنيستي “القسطنطينية وروما” بقطع منه، وبقيت الخشبة الأصلية في كنيسة القيامة في القدس.

ورنّمت كنيسة “القيامة” التراتيل والتسابيح ثم أقامت القداديس في المغارة التي وُضع فيها صليب السيد المسيح، ولا يزال يطلق عليها حتى اليوم اسم “مغارة الصليب”.

يشار إلى أن سكان منطقة معلولا والكثير من الضيوف من سوريا وخارجها يحتفلون في الساحات مع إطلاق الألعاب النارية في سهرة العيد، الثلاثاء 13 أيلول، البعض يهتفون باللغة الآرامية وهي اللغة التي تكلّم بها السيد المسيح ومازالت معلولا تتناقلها حتى الآن، فيما يعايدون الأقرباء والأصدقاء مع تبادل الأطباق الشهيّة فيما بينهم.

كلير عكاوي – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى