كاسة شاي

عود المطاط أو “النقيفة” .. شقاوة الأطفال ورمزية المقاومة

يُخرج الجد أبو رامي رأسه، من شباك منزله المطل على ساحة الحارة، ويصرخ بأعلى صوت “بدي نتفكن إذا بمسك واحد منكم”، ليفرق “شلة” الأولاد الذين اجتمعوا تحت عامود الإنارة، محاولين كسر مصباحه، عن طريق رميه بالحصى بواسطة “النقيفة” (عود المطاط) .

ويشتكي أبو رامي من أطفال الحارة الأشقياء، الذين “ما خلوا شي وما كسروه” بحسب قوله، بالرغم من أنه صادر لهم أكثر من مرة أدوات التخريب، من “نقيفات” ومسدسات خرز .

أحمد، صاحب العشرة أعوام، أحد أطفال الحارة، وأكثرهم شهرة، بسبب شقاوته وكثرة حركته، ويطلق عليه الأهالي لقب “زعيم العصابة”، لكونه قائد أغلب حملات التخريب، التي تعرضت لها أعمدة الإنارة في الحي .

ويتحدث أحمد، لتلفزيون الخبر “تعلمت صناعة عود المطاط من أبي، فهي سهلة جداً، كل ما تحتاجه عود من الخشب على شكل حرف ( Y ) والقليل من المطاط، وجلدة مناسبة” .

ويصنع أحمد بعد خمس دقائق، من حركات تداخل المطاط ببعضه وربطه بالخشب، “نقيفة” جديدة، “قادرة على إصابة أعلى مصباح أو عصفور بالحارة”، بحسب وصفه لمتانتها وجودتها، ويستخدم الحصى أو الدحل لإصابة أهدافه .

أبو أحمد، النادم على تعليم طفله صناعة “النقيفة”، يقول لتلفزيون الخبر “لم أعتقد أنها ستكون لعبته المفضلة، وبالرغم من محاولاتي العديدة لمنعه اللعب بها، فهو ما زال يصنع العديد منها، وصار أفضل مني بصناعتها” .
وينظم أطفال الحي “بطولات” ومسابقات لأفضل رامي حصى، ويشرف عليها أكبرهم سناً، وبعد التصفيات وإصابة أكبر عدد من الزجاجات الفارغة وعلب التنك من مسافات متفاوتة، يُنصّب عليهم البطل، الذي يكسب احترام أقرانه.

ويتباهى الأطفال فيما بينهم خلال المسابقات، بجمال عود المطاط وجودته، ونوعية الخشب المصنوع منه، وشكل الزخارف التي تصنع عن طريق الحفر عليه أو حرقه لتعطيه طابعاً يميز صاحبه عن البقية .

وبالابتعاد عن فكرة الطفولة واللعب، والتوجه إلى القيمة المعنوية، التي يحملها أغلب جيل الثمانينات والتسعينات، لعود المطاط، نجده أنه رمز ارتبط بفكرة المقاومة الشعبية الفلسطينية .

فصورة واحدة لشاب يحمل “نقيفة” كفيلة بأن تعيد أبناء ذلك الجيل إلى فترات الانتفاضة الفلسطينية، فلكل حجر قُذف عشرات الأمتار بواسطتها، قصة مقاومة .

يقول الشاب الفلسطيني محمد ابراهيم، واصفاً ما تعنيه له رمزية “النقيفة”، لتلفزيون الخبر “هي رمز للمقاومة، يشبه باقي الرموز كحنظلة أو غصن الزيتون، ولكنها الرمز الأقرب لفكرة المقاومة المسلحة” .

ويضيف محمد “الحجر كان السلاح الوحيد الذي يملكه شباب فلسطين، وما من مظاهرة أو انتفاضة، إلا وكان عود المطاط حاضراً فيها، ليبعد الجنود المدججين بالسلاح عشرات الأمتار، وكأننا نستعيد الأرض بواسطته ” .

“عود المطاط” صنع من أحمد بطلاً بين أقرانه في الحارة، لدقة إصابته واحترافه باستخدامها، وفي مكان آخر صنع منه أبطال المقاومة سلاحاً يعيد الأرض ولو لثوانٍ .

يزن شقرة _ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى