اخبار العالم

عن عرّاب الحجر الذي واجه “ميركافا”.. فارس عودة في ذكرى استشهاده

ربما لم يكن ذلك الحجر الذي استلّه فارس عودة بيده اللينة ياقوتاً أو زمرداً أو زبرجداً أو لؤلؤاً ومرجاناً، وربما لو وجده إحدى العابرين لقذفه بقدمه وأكمل مسيره وكأنه لم يكن.

ذاك الحجر الذي وجه إليه مصور اللقطة الشهيرة “زومه” ليشكل أهم تفاصيل سبقه الصحفي، إضافة إلى سماء زرقاء وأرض صلبة كصلابة عزيمة طفل بأربعة عشر عاماً، ورتلاً من مجنزرات الميركافا والجرافات الاحتلالية الضخمة، ليصوب حجره الثمين عليها.

لم يأبه حينها عودة لتلك الدبابة صنعت لأول عام 1970، واستخدمت عام 1979، وصممت لتناسب الطبيعة الوعرة لشمال فلسطين ومرتفعات الجولان المحتل، والتي ركز مصمموها على ملاءمتها لحروب المدن بعد حرب لبنان، و طورها العدو عام 1990، لزيادة قدرتها النيرانية.

فارس عودة الذي حول طريق مدرسته منذ بدايات تشرين الأول 2000، ليصبح تجاه مستوطنة “نتساريم” ومعبر المنطار شرقي غزة وغيرهما من مواقع المواجهات الساخنة في القطاع، وكان يخطط كجندي بخبرات قتالية عالية للاختباء والتخفي، وهو الذي لم يكن يقنعه أو يمنعه شيء من المشاركة في الانتفاضة ورشق الحجارة.

ليستشهد الطفل فارس عودة في الثامن من تشرين الثاني ثاني أشهر الانتفاضة التي اندلعت جراء دخول مجرم الحرب” شارون” إلى ساحان المسجد الأقصى وتدنيسه لها.

استشهد فارس عودة بعد 15 ربيعاً وأحلاماً أكثر منها بكثير جلها حملت صوراً براقة لفلسطين كما يجب أن تكون، اخترقت رصاصة أطلقها جنود العدو رقبة الطفل المقاوم لمدرعة جنود العدو التي يحتمون خلفها أمام طفلٍ أعزل إلا من شجاعته.

وتصدرت صورة الطفل المقاوم صفحات الصحف والمجلات العالمية، ومما روته أمه لوسائل إعلام فلسطينية عن لحظات حياته أنه “وهو عنده ست سنوات مكنش يقول عايز ملاهي أو متنزهات.. كان يقول بدي أطرد اليهود”.

وكفارس يوجد أطفال فلسطينيون كثر استبدلوا أحلام الطفولة بحلم العودة إلى فلسطين وتحريرها من العدو، واستبدلوا الألعاب الملونة وقصاصات الورق والقصص والكرات بأحجار صلبة سوداء لكنها حتما أقل سوادا وصلابة من حقد العدو.

وكانت إحصائيات للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال وثقت أنه “منذ بداية انتفاضة الأقصى في عام 2000 وحتى شهر تشرين أول 2017، استشهد 2026 طفلاً فلسطينياً برصاص قوات الاحتلال في الضفة وغزة.

كما شهد عام 2014 أعلى نسبة لاستشهاد الأطفال الفلسطينيين، حيث شهد قتل قوات الاحتلال لـ 546 طفلاً 533 في قطاع غزة منهم 380 نتيجة عمليات قصف نفذتها قوات الاحتلال.

وأشار تقرير صادر عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان مؤخراً، إلى “تصاعد حالات القتل والإصابة والاعتقال لدى فئة الأطفال خلال النصف الأول من عام 2018، نتيجة الصراع القائم مع قوات الاحتلال “الإسرائيلي” وعلى رأسها مسيرات العودة الكبرى”.

وسجل التقرير “سقوط عدد من الأطفال نتيجة تعرضهم لإطلاق نار من قوات الاحتلال، مستنكراً استمرار الاحتلال بانتهاكاته الموجهة ضد الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة”.

وبحسب إحصائية صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، بلغت نسبة الأطفال الشهداء المشاركين بمسيرات العودة الكبرى 23 طفلاً، وحوالي 3279 مصاباً، ووثقت عدسات الكاميرات منذ الثلاثين من آذار الماضي وحتى اللحظة جرائم بالجملة ضد المدنيين العزل، لاسيما الأطفال،

يذكر أن أم فارس عودة كانت ختمت إحدى لقاءات الحديث عن طفلها الشهيد بالقول إنه “حين كانت تصطحبه معها ويمران بجوار دبابة “إسرائيلية” كان يترك يدها ويمسك حجرا يوجهه صوب الجنود، تلحق به الأم وهي تنهره “لما تكبر يا حبيبي نجيب سلاح”، فيرد كرجل يعرف للشجاعة دقائقها “الحجر عندنا أهم من الكلاشنكوف”.

روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى