كاسة شاي

عن شتاء كانون وأمثاله الشعبية المتداولة

“كانون كن.. و على أخوك الفقير حنّ” و “كانون كن ببيتك جوات ملحك و زيتك”، و الكثير من الأمثال الشعبية التي تلخّص قساوة الشتاء في شهر كانون، هذا الشهر الذي تشتد فيه البرودة وتصل أوجها.

و تحدث الباحث التاريخي حيدر نعيسة لتلفزيون الخبر عن “العديد من الأمثال الشعبية التي رافقت شهري كانون الأول والثاني منذ مئات السنين، و مازالت متداولة حتى وقتنا الحاضر”.

و قال نعيسة لتلفزيون الخبر “يُشكل المثل الشعبي عُصارة للفكر والتجربة الإنسانية المتراكمة، و هو قول بليغ وجيز سهل الحفظ والتداول والتناقل، و تأتي الأمثال الشعبية كشواهد على تجربة الآخر، لصلاحيتها وصوابها وغناها بقيت خالدة مستمرة”.

وعن قُدسية الأمثال الشعبية قال الباحث التاريخي حيدر نعيسة ابن مدينة اللاذقية لتلفزيون الخبر إن “قُدسية الأمثال الشعبية تأتي من أنها تحمل روح الماضي، ومازلنا نستخدم ذات الأمثال الشعبية التي استخدمها أجدادنا قبل مئة عام، إنها نتاج تجربتهم وتأمّلهم وتفكرهم بما حولهم بالحياة والطبيعة والإنسان”.

وعن الشتاء والصيف في سوريا قال نعيسة “الشتاء في سوريا يساوي نصف العام، لأن الربيع والخريف فصلان انتقاليان غير ملحوظين، لذلك نجد الشتاء والصيف أكثر وروداً وحضوراً في الذاكرة الشعبية، ويُقال “لي صيّف وشتى عاش العمر كلو” للدلالة على أن العام مقسوم قسمين صيف وشتاء، بينما لا يلاحظ الربيع والخريف”.

وعن شهر كانون قال نعيسة “جاء اسمه من الكن والثبوت، و يُقال “كانون كن ببيتك يا مجنون” – “كانون كن ببيتك جوات ملحك وزيتك”- “كانون كن وعلى أخواك الفقير حن” و “ما أحلى الشتوية والبرد لكل لعندو مونة بتكفي”، كما يلقّب شهر كانون “بالصم” أي الشديد القاسي، و يسمى كانون للدلالة على “الموقد” حيث تشتعل النيران”.

وأضاف نعيسة “تبدأ الأربعينية في آخر 20 يوم من كانون الأول و أول 20 يوم من كانون الثاني، وتسمى هذه الفترة أوج الشتاء، أي يكون الشتاء قاسٍ جداً في قلب شهري كانون الأول والثاني وفق التقويم الشرقي”.

ويستقبل الإنسان هذه الفترة بالمؤونة وأهمها الخرنوب والحلاوة والدبس والتين اليابس والجوز والبطم و تسمى فاكهة كانون، لأنها تعطي الدفء والطاقة خاصة للقاطنين في أعالي الجبال.

وعن الأمثلة الشعبية المتداولة عن شهر كانون، قال نعيسة: “يُقال للمتدثر الذي يرتدي الكثير من الملابس في الشتاء كـ “ختيار كانون” أي كالعجوز الذي يتوارى من البرد إلى الزوايا بعيداً عن الأبواب والنوافذ والريح اللافحة”.

و يُقال للفتاة الغامقة السمرة كـ “عتمة كانون” أي لونها غامق ومُعتم كاليالي كانون التي لا قمر فيها، وتأتي في النصف الثاني من الشهر القمري حيث يختفي القمر، و يصادف النصف الثاني من الشهر القمري في شهر كانون الثاني حيث يصبح الليل دامس”.

وعن رياح الشتاء قال نعيسة لتلفزيون الخبر “يتخوّف الإنسان من رياح الشمال و يُقال “الهوا الشمالي غيّرلي حالي” أي يُغير الإنسان من حال إلى حال لشدة قسوته وبرودته، ويقول المثل الشعبي “كل شي بيجيب أنثى وذكر إلا الهواء الشرقي بيجب مطر” للدلالة على أنه بعد كل هواء شرقي سيهطل المطر، وهي رياح شتوية جافة أيضاً”.

و أضاف الباحث التاريخي حيدر نعيسة “تستعد الحيوانات أيضاً للشتاء، و يقوم النمل والنحل بجمع مؤونة الشتاء، أما باقي الحشرات والحيوانات فتدخل بالثبات الشتوي، لأن الله سبحانه وتعالى هيّأ لها مسيرة الثبات خلال أشهر الشتاء الباردة بحيث أن دقة قلب واحدة في اليوم تكفيها لتعيش خلال الشتاء”.

وعن استعداد الإنسان للشتاء قال الباحث التاريخي حيدر نعيسة ” يقول المثل “من لم تغل دماغه في الصيف لم يغل قدره في الشتاء، وهذا المثل دعوة للعمل والجد خلال شهور الصيف لجمع مؤونة الشتاء، أي أن شهور الصيف هي خادمة لشهور الشتاء”.

ويُقال “الشتي والليل واحد” و “النهار والصيف واحد” للدلالة على أن الأجداد ربطوا الليل بالشتاء والنهار بالصيف، و لذلك نتيجة عذابات الانسان بالشتاء تأتي احتفالاته بالربيع ويُقال “كل يوم بنيسان عيد”.

و تحكي الحكاية أن “الله سبحانه ألبس النبي موسى عليه السلام ثوب العافية، وعند وفاته موسى عليه السلام، قام جبرائيل بخلع الثوب عنه وألبسه للشمس، ولذلك ينتظر الإنسان دفء الشمس، وتزداد آلامه و أوجاعه على غيابها في الليل، وربط الأجداد بين الليل والشتاء و يُقال لذلك تكثر الأمراض في ليالي الشتاء”، وفقاً للباحث حيدر نعيسة.

وعن فصل الربيع، قال نعيسة “عندما تبدأ الضفادع بالنقيق وينبت زهر الإقحوان والنرجس، يقول الفلاحون “ذهب الشتاء وقدم الربيع” ويُقال “شم النرجس ولو في العمر مرّة” للدلالة على أنه دواء لكل أمراض الشتاء وغيرها”.

وختم الباحث التاريخي حيدر نعيسة حديثه لتلفزيون الخبر بالقول “المثل الشعبي نتاج إنساني، يوجد أمثلة محلية تحمل أسماء أعلام وأماكن محلية، إلا أن الإنسان يستخدم كل الأمثال من مختلف البيئات، لأن المثل الشعبي توحيدي يحمل روح الثقافة الشعبية الواحدة العميقة في التاريخ، و لأن التراث يؤالف ولا يخالف، يقرّب ولا يفرّق، لذلك تجد ابن مدينة اللاذقية يستخدم مثل شعبي من البادية و بالعكس”.

سها كامل – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى