كاسة شاي

عشر سنوات على انقضاء هدنته مع الموت .. والحصان مازال وحيداً

“أيها الموت انتظرني خارج الأرض انتظرني فى بلادك.. ريثما أنهي حديثاً عابراً مع ما تبقى من حياتي” .. قالها يوماً حين كان يجري جراحة فى قلبه، و نجح حينها بعقد هدنة مع الموت.

عاد بعدها ليكتب “جداريته” وليحاكي زهر اللوز وما أبعد، وليصف “حالة حصار” و “فى حضرة الغياب”، إلى أن انتهت الهدنة في التاسع من آب 2008، حيث أبى أن يرحل قبل أن يقول للموت كلمته الأخيرة.. وما طلب منه انتظار.

رحل محمود درويش بصمت بينما كان يجري جراحة قلب مفتوح بإحدى مستشفيات الولايات المتحدة فى مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات، تاركاً خلفه القضية الفلسطينية وحيدة شريدة فى أمس الحاجة لتعبيراته التى كانت أدق من السيف عند الوصف.

درويش الذي كتب بقوة تاريخاً ضائعاً فجمع شتاته، وحوله إلى أيقونة أبدية، هرب من جغرافيا الحدود، والمنافي والمخيمات إلى فضاء “البيت” و”الشطر” و”المجاز”، فمنحنا وطناً وزهرة وامرأة.

عاش درويش في لبنان بعد هجرته من قريته البروة في الجليل الشرقي و التي ولد فيها في آذار من العام 1941 وهجِّر تحت دوي القنابل في العام 1947، و وجد نفسه مع عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان.

و اعتقل من قبل العدو “الإسرائيلي” مراراً بدءاً من العام 1961 بتهم تتعلق بتصريحاته ونشاطه السياسي وذلك حتى العام 1972 حيث توجه إلى الاتحاد السوفييتي للدراسة.

وانتقل بعدها لاجئاً إلى القاهرة في ذات العام حيث التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، علماً أنه استقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجاً على اتفاقية أوسلو.

شغل درويش منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وحرر مجلة الكرمل كانت إقامته في باريس قبل عودته إلى وطنه حيث إنه دخل إلى فلسطين بتصريح لزيارة أمه.

في الفترة الممتدة من سنة 1973 إلى سنة 1982 عاش في بيروت وعمل رئيساً لتحرير مجلة “شؤون فلسطينية”، وأصبح مديراً لمركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية قبل أن يؤسس مجلة “الكرمل” سنة 1981. بحلول سنة 1977 باع من دواوينه العربية أكثر من مليون نسخة لكن الحرب الأهلية اللبنانية كانت مندلعة بين سنة 1975 وسنة 1991.

ترك بيروت سنة 1982 بعد أن غزا الجيش “الإسرائيلي” بقيادة أرئيل شارون لبنان وحاصر العاصمة بيروت لشهرين وطرد منظمة التحرير الفلسطينية منها، أصبح حينها درويش “منفيا تائها”، منتقلا من سوريا وقبرص والقاهرة وتونس إلى باريس.

ومن دواوين درويش: “عصافير بلا أجنحة”، “أوراق الزيتون”، “عاشق من فلسطين”، “آخر الليل”، “مطر ناعم في خريف بعيد”، “يوميات الحزن العادي (خواطر وقصص)”، “يوميات جرح فلسطيني”، “حبيبتي تنهض من نومها”، “محاولة رقم 7″، “أحبك أو لا أحبك”، “مديح الظل العالي”.

ومنها أيضاً “هي أغنية.. هي أغنية”، “لا تعتذر عما فعلت”، “عرائس”، “العصافير تموت في الجليل”، “تلك صوتها وهذا انتحار العاشق”، “حصار لمدائح البحر”، “شيء عن الوطن”، و”وداعا أيها الحرب وداعا أيها السلم (مقالات)”.

خلق درويش عوالمه الخاصة المتنوعة بلا تكرار لرؤية أحد، ولا تشابه مع معاجم الآخرين، و ارتبط في شعره حب الوطن بالحبيبة التي قد يصادفها الشاعر فى حياته، فلا تعرف إلى من يكتب: إلى حبيبته أم إلى فلسطين.

عاش درويش طريداً ومات غريباً، وهو الذى أعطانا حياة لا تفنى و جمالاً لا يزول، لم يقل درويش للموت “لا الرحلة ابتدأت ولا الدرب انتهى، بل سجل برأس الصفحة الأولى والأخيرة من حياته أنه عربيٌ لم يخن عروبته، و ما حلم يوماً بأكثر من حياة كالحياة.

روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى