كاسة شاي

عامان على آخر ” ظهور للقمر”.. ملحم بركات “أبو مجد” الفن في ذكرى وفاته

الثامن والعشرون من تشرين الأول من العام 2016 لم يكن يوماً عادياً على تاريخ الفن والوسط الفني العربي، بل وسِم هذا اليوم بالنسبة للملحميين بيوم الوداع والغصة، ودعوا فيه العفوية والبساطة التي ميزت الموسيقار ملحم بركات كما يجب أن تكون.

ملحم بركات “مطرب الضيعة” كما لقب في بداياته ، والموسيقار الذي انطلق في أول عمل له حمل توقيع توفيق بركات وفيلمون وهبي، وكان بعنوان: “الله كريم”، أتبعه بعمل آخر “يا أسمر” حمل توقيع مارون نصر، الملحم الذي تعاون مع الرحابنة وروميو لحود وشارك في أكثر من مسرحية مع الشحرورة صباح “الفنون جنون” و”حلوي كتير”.

كما كانت خشبات المسارح التي عُرضت عليها مسرحية “فخر الدين” على موعد مع الجمال الملحمي والفيروزي، عندما تشارك الاثنان ( ملحم بركات وفيروز) في أدائها حيث وقف الموسيقار حينها أمام فيروز، كما شارك سلوى القطريب في مسرحية “زمرد”.

وأطل بركات في برنامج “ساعة وغنية” مع الاخوين رحباني إذ نجح في ترك الاثر الاكبر لدى المشاهدين وشارك يومها جورجيت صايغ في اغنية ثنائية بعنوان “بلغي كل مواعيدي” فلاقت نجاحاً كبيراً وأسرت قلوب الصغار والكبار معاً.

ونال أبو المجد جوائز وأوسمة عديدة من دول ومؤسسات وجمعيات وأطلق عليه جورج إبراهيم الخوري لقب “الموسيقار”، عندما كان رئيس تحرير مجلّة “الشبكة”.

فمن هو الموسيقار ؟

ولد الموسيقار ملحم بركات في كنف عائلة بسيطة وفقيرة مؤلفة من أمه ووالده وشقيقتيه ليلى ونوال، في حي فنّي بحت، فوالده انطوان بركات كان نجاراً يجيد عزف العود وكان جاره الموسيقار حليم الرومي وأيضاً الفنان فيلمون وهبي.

تأثر ملحم بركات بفن الموسيقار محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وترك المدرسة حينما كان في السادسة عشرة من عمره وقرر الالتحاق بالمعهد الوطني للموسيقى، فانتسب إليه، من دون معرفة أبيه.

وكان يخبئ كتب المعهد في كيس ورقي يخفيه أمام مدخل منزله، إلى أن اكتشف والده الأمر، الذي ما لبث أن تقبّل الأمر نظراً إلى إصرار ابنه وموهبته الواعدة.

درس بركات النظريات الموسيقيّة والصولفاج والغناء الشرقي والعزف على آلة العود مدّة أربع سنوات في المعهد الوطني للموسيقى (الكونسرفاتوار)، وكان من بين أساتذته سليم الحلو وزكي ناصيف وتوفيق الباشا، انضم إلى فرقة الأخوين رحباني لكنه تركهما بعد أربعة أعوام لكي يشقّ طريقه الفنيّة ويبني شخصيّته الموسيقيّة الطربية.

“أبو المجد” الصياد الشقي والثائر

عرف الموسيقار ملحم بركات بصفة الشقي والمثير والثائر على الفن والسياسة والحياة بأكملها، وهو الذي لم يخفِ يوماً حبه للمرأة وكان له نصيب وافر من أقلام الصحافة.

كما كان يعرف أيضاً عن ملحم بركات ولعه الشديد بهواية الصيد، إذ كان يؤلف مع الملحنَين ايلي شويري والراحل فيلمون وهبي خلال رحلات الصيد، هو يتلذّذ بتناول الأطباق اللبنانية العريقة.

و كثيراً ما رفض بركات ان ينعت بالمغرور ويؤكد ان قلبه ابيض ودمعته سخية وحنون لأقصى درجات الحنان ويعتبر المرأة اخطر من القنبلة النووية، وان متعته الاولى والاخيرة تكمن في التلحين فقط ويصف الوسط الفني بالمتعب.

أما امنيته فكانت أن يستطيع إكمال ما بدأه لمقطوعة موسيقية من تأليفه، وحلم بأن ترافقه من منزله الى مثواه الاخير ومدتها نصف ساعة، كما لم يتوانَ بركات عن توجيه النقد الى الفنان غير الملتزم فهو حامل راية الاغنية اللبنانية اينما ذهب وعتبه كبير على المطربين الذين نسوا انهم من لبنان.

الموسيقار أيقونة و كنز فني

فنانون كثر حققوا النجاحات بأغنيات حملت بصمة الموسيقار منهم: غسان صليبا بعنوان “يا حلوة شعرك داريه” و”اعتزلت الغرام” للفنانة ماجدة الرومي واخرى لكارول صقر بعنوان “يا حبيبي تصبّح فيي” و”أبوك مين يا صبية” للفنان وليد توفيق.

أغنيات ذهبية أغدقها عليهم الموسيقار بصوته لتبقى راسخة في ذاكرة اللبنانيين بينها: “على بابي واقف قمرين”، “العذاب يا حبيبي”، “احلى ظهور”، “حمامة بيضا” وغيرها، كما قدّم ألحاناً قبل رحيله لعدد كبير من الفنانين منهم سابين وفارس كرم وأغنية للفنان وليد توفيق بعنوان: “غريب يا زمان”، كما تعاون مع الفنان ملحم زين لينتهي بذلك الخلاف الذي نشب بينهما.

بركات الذي يملك رصيداً من نحو 13 ألبوماً وأكثر من 107 أغنيات يعتبر الشاعر نزار فرنسيس توأم روحه، فهو كتب له معظم كلمات اغانيه وكان ينتظر تحسن صحته لوضع اللمسات الأخيرة على ألبومه الذي اختار مساراً جديداً له فهو أداه في الاستوديو وليس على أسلوب الحفلة المباشرة

“حبوا سوريا”..والدعوة “الملحمية” إلى “تلوين الجراح”

لطالما تغنى الموسيقار اللبناني الكبير ملحم بركات بسوريا وشعبها، وأكد خلال سنوات الحرب الأولى في أكثر من ظهور له أن “سوريا بلد العروبة والخير والعطاء التي احتضنته 14 عاماً وشهرته بدأت فيها”.

كما تقول الروايات: إن الموسيقار كان يفضل الإقامة في سوريا حتى لو كلفه الأمر أن يتخذ من سيارته مكاناً للنوم، وفي هذه الأثناء كتب للفنان وليد توفيق كلمات أغنية “أبوكي مين ياصبية”.

و أكد الموسيقار في عدة مناسبات ” أن سوريا بلد الخير، عندما كانت الحرب في لبنان كل الدول المجاورة استفادت من الأزمة اللبنانية، أما الحرب في سوريا فقد دمرت كل الدول المجاورة و خربت المنطقة بأكملها ، من هنا يجب أن تعلموا أن سوريا قوية”.

سوريا التي بادلها الموسيقار الحب حتى بعد وفاته عندما قدم الشاعر نزار فرنسيس، خلال حفل تكريم سوري للموسيقار في دار الأوبرا، أغنيته الأخيرة التي سجلها بركات لأطفال الشام وشهدائها قال فيها .. “من لون جرحك لون الأيام .. وارسم خط المرجلة بدمك ..

.. وأكتب اسمك على تراب الشام هون وقعت وترابها لمك” لتكون سوريا بذلك نقطة الانطلاقة ومسك الختام، تأثر الفنان الراحل بالأحداث التي مرت على سوريا وعشقه لها.

الوفاة وجموع المحبين

قبل أيام من وفاته بسبب ضعف في عضلة قلبه وبعد وعكة صحية خطيرة قضاها في المشفى لسوء حاله، نال الموسيقار محبة العالم بأسره وأنهى حتى جميع خلافاته مع زملائه في الفن، لا سيما الفنانة ماجدة الرومي التي زارته في المستشفى بقدمها المكسورة، ليرحل الموسيقار بعدها تاركاً خلفه ما يمكن تسميتهم بجدارة “الملحميين” بعد مشوار فني زاخر بالبساطة والجمال.

يذكر أن الموسيقار ملحم بركات ولد في الخامس من نيسان عام 1942 في قرية كفر شما التابعة لقضاء بعبدا بمحافظة جبل لبنان، وتوفي يوم 28 تشرين الأول 2016، ورحل عن الساحة الفنية تاركاً لنا ولمن يقتدون به من الشبان الذين يحملون موهبة الغناء، أعمالاً خالدة ما ولم تنسَ.

روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى