كاسة شاي

“طاولة الزهر”.. دفتان تجمعان أضغاث “واقع” السوريين.. ما أصولها؟

يقبض بكفه على حجرين صغيرين يعول عليهما الكثير.. في جلسة لم يتمنى فيها نسيان ما قبلها من ضغوط حياته، ليستقرا في قبضته ثم يقلّبهما بين ثنايا كفه في تحفّظ شديد.. يتمنى عليه، ثم يلقيه.. (دو يك.. شيش بيش.. دبش)، يلي ذلك ضحكة عالية أو عبسة من حظ لم يحالفه، هذه أولى الخطوات.

(دو يك .. شيش بيش .. دوبش) .. كلماتٌ تختصر الكثير من التمهيد والاستهلال، يرافقها أيضاً عبق المعسل “تفاحتين أو تنباك” كما يتم تداول تسمياتهم مع “كاسة شاي مُخمرة” وصوت “الست”، ليذهب الخيال إلى جلسات الستينيين من المتقاعدين أو ما قبل هذه المرحلة في المقاهي، يشاركهم بها أعداد يسيرة اليوم من فئة الشباب في سوريا، لجأت إلى دفتين خشبيتين لتنفث همومها.

وحول موائد هذه “الطاولة” تشتعل أحاديث ومناقشات سياسية واجتماعية وفنية، وتلهمهم حركات القواشيط (حجارة الطاولة) بمقطوعات شعبية وشعرية راسخة كما “أنا لاعب النرد”، لمحمود درويش، ليكون “الزهر” بذلك المعبِّر الأبلغ عن مزاجية الحظ، عند من يعتقد بما يسمى “حظ”.

ويشتهر الدمشقيون في صناعة “طاولة الزهر” التي تعد امتداداً لشهرة حرفة “الموزاييك” العريقة والتي أوصلت الفن الدمشقي إلى العالم، وتقول مواقع مختصة إنه “قبل الحرب على سوريا كان يتم تصدير ما قيمته أكثر من 100 مليون ليرة، وفق الأسعار حينها، من هذه المنتجات وعلى رأسها “طاولة الزهر” إلى الخارج سنوياً”.

وعن أصولها، تعود لعبة “النرد” أو “طاولة الزهر” الشعبية المشهورة للقرن الثلاثين قبل الميلاد، حيث اكتشف علماء الآثار في مدينة “أور” العراقية في حضارة ما بين النهرين ألواح زهر تستخدم في هذه اللعبة، ثم بعد ذلك أخذها عنهم الفرس.

وجاء من بعدهم الرومان الذين طوروها وباتت تشبه إلى حد بعيد لعبة الزهر حالياً، وهناك روايات تقول إن قدماء المصريين من الفراعنة لعبوها ولكن تجمع الروايات أن الفرس هم من طور اللعبة وجعل شكلها يشبه الشكل الحالي.

وعثر في عام 2004 على طاولة نرد مع ستين حجر (قشاط) لعب بين ركام المدينة المحترقة التي تقع في ولاية سيستان (بلوشستان جنوبى إيران)، وهي المدينة التي يعتقد الإيرانيون أنّ اللعبة خرجت منها منذ زمن بعيد ربما يصل إلى 5000 سنة مضت.

وعرف المصريون القدماء والبابليون وكذلك اليونانيون والرومان الطاولة بعد الفرس، وكانوا يطلقون عليها (النرد)، حيث كان يمارسها الناس في المقاهي والمنازل وحتى في المحال التجارية ويتم اللعب بعدة طرق، كالمحبوسة والعادية والـ(31).

ومع انتشار لعبة الطاولة، فإن البعض لا يعرف اسم مخترعها، بينما البعض الآخر يرجع اختراعها إلى (أردشير بن بابك) مؤسس الدولة الساسانية الإمبراطورية الفارسية الثانية، ورغم الاختلاف حول مخترع اللعبة إلا أنه يتفق على أن مخترعها كان عالماً أو مهتماً بعلم الفلك، حيث راعى فيها نظام الكون، بحسب الروايات.

فالقواشيط على سبيل المثال نصفها أسود ونصفها أبيض كرمز لليل والنهار، مجموع أرقام الزهر على الوجهين (7) وهو عدد أيام الأسبوع، ومجموع قواشيطها (30) وهو عدد أيام الشهر وعدد الخانات (12) وهي ترمز لعدد ساعات النهار، كما أن مجموع عدد لفات جميع القواشيط داخل الطاولة تسجل 365 خانة وهي عدد أيام السنة.

وتنظم للعبة طاولة الزهر بطولات عالمية، حيث عقدت أولها في لاس فيجاس عام 1967، وفاز بها فريق هولندا، وظلت المنافسة في لاس فيجاس حتى عام 1975، ثم انتقلت إلى جزيرة الفردوس ضمن جزر البهاما.

وعلى غرار (رابطة الملاكمة العالمية) تم تشكيل رابطة الطاولة العالمية في 2007، وتنظم تحت رعايتها العديد من البطولات العالمية مثل “بطولة البرتغال المفتوحة”، و”بطولة جورجيا المفتوحة”، “فرنسا المفتوحة”، “قبرص المفتوحة”، و”فينيسيا”، وتصل قيمة الجائزة لحوالي 25 ألف دولار للفائز.

يذكر أن الألعاب الشعبية والتراثية باتت ملاذاً للهارعين من عبوس الحرب وتداعياتها في سوريا كالشطرنج وأوراق الشدة ولعبة البرسيس (البرجيس)، والتي يمارسونها سواء في المقاهي أو المنازل تحت إضاءات “الليدات” أو مع كلاسيكية الشموع و”ضو الكاز” تجمعهم خلالها منافسات ساخنة لكنها بالتأكيد أقل سخونة مما هربوا منه.

روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى