كاسة شاي

سينما وجامع وكنيسة .. العبّارة.. بسطة التاريخ في حلب

منطقة العبّارة في حلب أو ما تعرف محلياً بين الأهالي بـ “عبارة الكهربا”، واحدة من المناطق التي تعكس البساطة الحلبية. وتحكي العديد من القصص والحواديت التي يجهلها الأهالي، يرددها أصحاب الأعمار الطويلة ممن عاشوا العبّارة في كافة مراحل تطورها.

ساحة العبّارة مسرح مصغر لمدينة حلب وتنوعها وبساطة أهلها، تجمع تجارياً كل ما يمكن أن تفكر به أو تعتازه تقريباً، فمن “فيشة الكهربا” وحتى “الطقم الرسمي”، مروراً بالأحذية والألبسة فالتجهيزات المنزلية كالغسالات والبرادات، وأيضاً الكتب والروايات والقرطاسية وجلدة “جرة غاز” أو بطارية صغيرة “إذا لازمك”.

في العبارة أمام جامعها الشهير الملاصق لكنيسة الأرمن البروتستانت، حلاق بكرسي بسيط ومرآة سيارة، بلا محل أو معدات عدا كرسيه ومقصه، و”بخة مي” من الجامع، والموسيقى أصوات زمامير وأطفال تلعب وبائع سمك زينة، أما ضيافة الزبون فهي قهوة من عند أبو يوسف “شيخ العبارة”.

وتنوع المحلات التجارية في العبارة يمكن وصفه بمثال صغير لحلب التجارية ، فقرب محل المعدات الكهربائية، ترى غسالات وأفران، ومن ثم محل ألبسة مع بسطة أمامها، تليها مكتبة يمكنك اقتناء كتب جديدة منها لم تنشر بعد في سوريا، تأتيك عالطلب، لتشدك فوراً رائحة المشاوي والكبب من المحل المقابل.

وجاءت تسمية العبارة بـ “عبارة الكهربا” كون عدد كبير من محلات الأدوات والمعدات الكهربائية تجمعت في تلك المنطقة، لتتبعها محلات الموبايلات والهواتف، وتلاصق منطقة التلل المعروفة ببيع الألبسة والذهب.

ويعتبر موقع العبارة “وسط مدينة قديم” بالنسبة لأهالي حلب، فهي تبعد عن ساحة سعد الله الجابري أمتار قليلة، وتتداخل العبارة مع مناطق المنشية وباب الفرج والعزيزية والتلل والجديدة.

ومقابل الجامع والكنيسة من الطرف الآخر للشارع توجد سينما أوغاريت الشهيرة التي تضررت بسبب الحرب وتوقفت عن عرض الأفلام، وهي واحدة من أقدم دور السينما في حلب، توازيها سينما الزهراء وفندق بارون التاريخي.

أما عن المأكولات الحلبية في العبارة فحدّث ولا حرج، ابتداءً من الأكلات الشعبية البسيطة من فلافل وبطاطا وصولاً لمشاوي بسطة “عمو عمر ومصطفى”.

وبسطة المشاوي الصغيرة يعلمها القاصي والداني، كانت تقبع خلف الكنيسة، كأثرٍ قديم،ويحتشد حولها الناس على اختلاف طبقاتهم وخلفياتهم، من الحلبي البسيط وصولاً لشخصيات اعتبارية حتى المسؤولة منها، ليتوج شقى سنين من العمل في تلك البسطة إلى محل كبير استطاع الأخوين استئجاره مع “طنة ورنة” بالفرحة.

ومن القصص القديمة التي يحكيها الكبار من أيام السبعينات والثمانينات، كيف كانت العبّارة وساحتها الكبيرة الحالية عبارة عن شارع صغير، يعبر من خلاله السرفيس الوحيد الذي كان موجوداً في حلب، وهو سرفيس الميدان.

وسرفيس الميدان في ذاك الزمان كان عبارة عن سيارة تكسي واحدة فقط، نوع مرسيدس، تدخل الشارع وتقف أمام الجامع لتقل 4 ركاب فقط، وتتابع طريقها إلى الميدان مروراً بالمنشية، وتعود من جديد أمام العبارة.

ولم يكن هناك وجود للساحة المتعددة التي اجتمعت مع بعضها البعض مشكلة ساحة العبارة، كما أن المنطقة كانت عبارة عن خانات شبيهة بخانات السويقة بحلب القديمة، لتتحول بعدها تلك الخانات لعبارات ومحلات تجارية تحتضن التنوع الكبير لمدينة حلب بمنطقة واحدة.

أما المظهر الذي يعلق في ذهن كل زائر لمنطقة العبارة، بدون أن يتمكن من وصفه بدقة، فهو غروب الشمس من العبّارة، ففي هذا الوقت تصبح العبارة ملكاً للحمام والسنونو، فقط لا غير، وتفترش سماء ومأذنة الجامع وسقف الكنيسة بأجنحة غطت عبر سنوات قذارة حرب معلنةً “بكل وقاحة” أن العبّارة لها وستبقى لها احتفالا بالحياة.

وفا أميري- تلفزيون الخبر – حلب

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى