سوريين عن جد

سوري حلبي وعاشق لفلسطين.. مسيرة نضال مطران القدس والمنفي منها هيلاريون كابوتشي

منذ رأس سنة 2017، غيب الموت المطران هيلاريون كابوتشي، مطران كنيسة الروم الكاثوليك بالقدس المحتلة، الذي اشتهر بمواقفه الوطنية المقاومة.

سوري الدم ولع بالقدس، وتولى منصب مطران كنيستها منذ عام 1965 حتى نفاه العدو “الإسرائيلي”، الذي لم يحتمل يوماً كلمة الحق، فمن هو المناضل السوري الذي وضع القضية نصب عينيه حتى النفس الأخير؟

نفي المطران كابوتشي إجبارياً إلى روما، بعد اعتقال داخل سجون الاحتلال دام لأكثر من 12 عاماً، كان قبلها المطران كبوتشي ناشطاً بحقوق الشعب الفلسطيني، ضمن خلايا منها لحركة “فتح”.

ودعم المطران الراحل المقاومة الفلسطينية من خلال نقل أسلحة إلى المقاومين عبر سيارته الخاصة، مستغلاً حرية الحركة لرجال الدين آنذاك، حتى غدا تحت مراقبة الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” التي اعتقلته في تاريخ 18 آب سنة 1974.

ووجه العدو المحتل له تهماً منها التعاون مع جهات معادية، أدت لاعتقاله مدة 12 عاماً، قضى منها أربعة سنوات إلى أن صدر قرار إثر دخوله إضراب عن الطعام، سلب منه حق البقاء في فلسطين وحبيبته القدس.

واشترط العدو على الفاتيكان نفيه إلى روما، نفية أبديةٍ بدأت في تشرين الثاني من عام 1978 حتى وفاته.

وقال نادر المستريح، صديق العائلة المقرب، لتلفزيون الخبر، إن “العدو الصهيوني اشترط على الفاتيكان ألا يستلم المطران كابوتشي أي منصب ديني، أو أن يزور أي دولة عربية أو يتحدث فيها بالسياسة”.

وتابع المستريح “إلا أنه عام 1979 خلال تواجد كابوتشي في دولة الأرجنتين، تواصل من داخل السفارة مع القصر الرئاسي في سوريا، وتلقى دعوة من الرئيس حافظ الأسد لزيارة سوريا”.

وأضاف المستريح “تتالت زيارات المطران إلى سوريا بشكل سنوي، كان آخرها عام 2010، ومع كل زيارة، كان العدو الصهيوني، يبعث سنوياً للفاتيكان بيانا يندد فيه بالزيارة، معللاً ذلك بأنه مخالف لشروط إطلاق سراح المطران”.

ولم يفارق حلم العودة المطران، انتظرها حتى قال عنها في أحد البرامج التلفزيونية عام 2000، إن “القدس هي قلب فلسطين النابض، القدس هي بمثابة الروح للجسد، بمثابة الروح لأرض فلسطين، دون القدس لا حياة ولا قيمة لفلسطين، ولم أزل حتى هذه الساعة أنتظر عودتي إلى وطني، إلى قدسي، إلى شعبي، أنتظر نهاية غربتي”.

واستمر نضال كابوتشي في سجنه المنفي، فاضحاً في كل مناسبة اعتداءات الكيان المحتل بحق فلسطين وشعبها، حتى اتحيت له الفرصة للمشاركة عام 2009 في حملات رفع الحصار عن قطاع غزة.

وكان المطران الراحل على متن سفينة “أسطول الحرية” التي منعت “إسرائيل” وصولها للقطاع، مصادرة ما فيها، وكرر محاولة الوصول من خلال سفينة “مرمرة” في السنة التالية، التي اعترضتها كذلك قوات المحتل.

وذكر المستريح إنه “على متن هذه الرحلات، ومع إصرار المطران على دخول فلسطين، أخبره أحد الجنود أنك “لا تكل ولا تمل من المحاولة؟”.

ولطالما شدد كابوتشي على أنه “ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة، القوة ليست دائماً قوة السلاح، وحدة الصف والتضامن هو السلاح الفتاك، هو حجر الزاوية ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة”.

وحرص الراحل على أن لـ “إسرائيل” خيارين لا ثالث لهما “إما السلام وإما الحرب، إما الانصياع للواقع، للقوانين الشرعية وتقبل بالسلام، إما الاستمرار في الاحتلال، أما أن تنعم بالاثنين معا سلام والاحتلال فهذا غير وارد على الإطلاق”.

ونقل عن الراحل قوله: “أما نحن فقرارنا محسوم، نريد نعيش، والعيش ليس أكلاً وخبزاً، الكرامة هي الحياة، وعنوان الكرامة هو الوطن، مصممون إما أن نعيش أحراراً، أسياداً كراماً في وطننا الفلسطيني وعاصمته القدس، وإما أن نموت دفاعاً عن حقنا”.

ولم تكن حلب مدينة المولد غائبة عن المطران كابوتشي، بالرغم من مغادرته لها بعمر الحادية عشر، فخلال سنوات الحرب، طالب بمساندة الشعب السوري ضد الإرهاب.

وسعى كابوتشي لأن “يكشف الزيف عما سمي “الربيع العربي” وما خلفه، داعياً دوماً للوحدة ومواجهة العدو الواحد وهو “إسرائيل” لأنه “أساس كل حروب العالم، ومصدر الشر في المنطقة”.

ولفت المستريح إلى أن “المطران كابوتشي عاش في حلب حتى عمر الثانية عشر، ومع أن آخر زيارة كانت مع بدء الحرب الأخيرة ، إلا أنه كان ضمن الوفد السوري الذي زار جنيف من أجل المباحثات هناك”.

أربعة وتسعون عاماً من النضال، من الروح الطيبة التي يتذكرها بالخير والبشاشة كل من عاشرها، اعتنق القضية وواجه العدو، السوري الذي هام بحب فلسطين وقدسها، وانتصر لها في أي منفى وأرض، حتى غيبه الموت في 1 كانون الثاني سنة 2017.

ومع أن وصية المطران كانت “أن يدفن داخل القدس”، إلا أنه كان على نتنياهو “أسهل أن يدخل الجمل من خرم الإبرة، على أن يدخل كابوتشي إلى القدس مرة أخرى”، ليوارى الثرى جثمانه في مدينة روما”.

لين السعدي_تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى