فلاشمحليات

سنوات الحرب تستبدل ابتسامة “عدولة” بعشرات “التكشيرات” للمتسولين في اللاذقية

عادل “عدولة” الرجل اللطيف الذي عرفه ابناء اللاذقية ومعه عدد من المتسولين الذي كانوا يعرفون من قبل الجميع في المدينة قبل سنوات الحرب بشكل كبير.

وعرف الجميع “عدولة” بابتسامته الطيبة التي ترتسم على وجهه ، يوزع عشرات منها يوميا للمارة ، وأصحاب المحال التجارية قائلاً “معك خمسة؟” ، مطالبا بالمبلغ الصغير ومتنقلا بين المحال والشوارع التي ألفته وحفظته.

خمس سنوات من الحرب المستمرة استبدلت معها ابتسامات “عدولة” في شوارع اللاذقية، لتظهر مكانها مئات العيون السارحة والحواجب المعقودة فوق عيون صغيرة أتعبتها سنوات الحرب.

عشرات الأطفال والنساء المتسولين في الشوارع والأزقة والمستلقين على الأرصفة، وأمام المحلات التجارية، يلصقون وجوههم على واجهات المطاعم، يطلبون النقود ويقدمون الدعوات والشتائم أحيانا لمن حولهم.

ويمكن للمتجول في شوارع اللاذقية مشاهدة عشرات الأطفال والنساء يفترشون الطرقات مع أطفالهم، ويركضون خلف المارة مطالبين بالمال، وخمس ليرات “عدولة” باتت تلقى في وجه من يعطيها لمحتاج او ممتهن للتسول مع شتائم أو نظرات ازدراء بأفضل تقدير.

وأخذت ظاهرة التسول طابعاً جديداً بعد الحرب، وإن كان موجودا قبلها فإنها اليوم أكثر تكثيفا وفجاجة، حيث يمتهن معظم المتسولين التسول كحرفة لكسب الرزق وليس كحاجة لسد الرمق، فيحتار الكثيرون بما يجب عليهم فعله حيال عشرات الأطفال والنساء الشاحبات ممن يحملن أطفالا بين أيديهن ويطلبن مالا لإطعامهم أو إلباسهم أو علاجهم.

وتبرز خطورة ظاهرة التسول بانتشارها بين الأطفال بشكل رئيس، واستثمارهم من قبل عائلاتهم أو من قبل جهات أخرى للحصول على المال، بدلاً من تواجدهم في صفوفهم الدراسية وداخل مدارسهم،.

وتروي غادة لتلفزيون الخبر قصتها مع هؤلاء فتقول “كنت ولسنوات طويلة أشعر بالحزن عليهم حتى أنني اقتطعت من مصروفي الشخصي الذي آخذه من أهلي أكثر من نصفه لمساعدة عدد من الأطفال يوميا”.

وتتابع غادة “كطالبة جامعية أرى عشرات منهم يوميا في الطريق وفي محي الجامعة، وأكثر ما يؤلمني ان معظمهم في سن المدرسة وأغلبهم يجيد فقط عد المال ونشل الأغراض فيما لا يجيدون القراءة والكتابة”.

و قالت الشابة ” حاولت مع ثلاثة أطفال في العامين الماضيين أنا واصدقائي وفي ثلاث قصص مختلفة لنعلمهم القراءة والكتابة ونعيدهم الى المدارس وكان الرفض شديدا من أحد الأطفال الذي اوضح أن والده لن يقبل ابدا رغم ما اغريناه به من مال.

وتتابع “لاحقا علمنا ان ما عرضناه من مال مقابل عودة الطل للمدرسة يعتبر مبلغا زهيدا مقارنة بما يجره هذا الطفل النازح من قرى الريف المشتعل على والده يوميا نتيجة امتهانه للتسول والنشل”.

وكانت مواقع التواصل الاجتماعي تداولت مقطع فيديو يظهر عدداً من النساء المتسولات في كراج جبلة يتشاجرن بعنف بعد أن وضعن على الارض طفلا باكيا يستخدمنه في التسول، الامر الذي اثار الكثير من ردات الفعل المتناقضة على صفحات السوريين.

وعبر العديد من الناشطين على الانترنت عن استيائهم من انتشار حالات التسول في شوارع اللاذقية، وملاحقة المتسولين لهم على الأرصفة، وفي الاماكن العامة والشوارع الرئيسة، في حين عبر البعض عن حزنهم على الأطفال الذين لاذنب لهم في هذه الحرب المستمرة.

وقالت ريم وهي صديقة لغادة وتعمل في مقهى بالقرب من شارع الاميركان الشهير ” في حالتين منفصلتين رفض الأهل تماما وبشكل قاطع أن يتفرغ الأطفال للدراسة ويخرجوا من الشارع ليعيشوا طفولة سوية رغم عرضنا بتامين عمل للأب أو عمل بديل للأطفال مساءا، وكانت آخرها هي الحالة التي قررت بعدها الا اتعاطف مجددا مع هؤلاء”.

وقال مصدر قضائي أن عدد حالات التسول التي تعرض على القضاء مع بداية العام 2016 بلغ 40 ألف حالة نتيجة نزوح عدد كبير من الأسر، ما دفع بالعديد منهم إلى التسول.

و أوضح المصدر أن الأزمة الراهنة رفعت من نسبة النساء المتسولات أكثر من الذكور نتيجة فقدان العديد منهن لمن يعيلهن في معيشتهن، في حين اعتبر القانون مثل هذه الأفعال جنحة، لأن معظمهم بحاجة إلى تأمين قوت يومهم، إلا أن الفعل اجتماعياً غير مقبول، وبالتالي تم فرض عقوبة التوقيف، ولكن ليس لفترة طويلة.

وكانت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل صرحت العام الماضي أنها أعدت خطة قالت أنها “إسعافية متكاملة” لمعالجة التسول، تتضمن خطاً ساخناً للإبلاغ عن الحالة والتعاون مع وزارتي الداخلية والعدل والجمعيات المعنية، إضافة إلى تفعيل لجنة التسول ومراكز تشغيل المتسولين والمشردين في المحافظات.

وتبقى هذه الظاهرة في ازدياد واتساع بالانتشار بالرغم من التصريحات المتكررة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عن الجهد الذي تبذله الوزارة لمساعدة المتسولين، وتأمين احتياجاتهم، وانتشالهم من الشوارع والأزقة، وإعادة الأطفال إلى مقاعدهم الدراسية، لتبقى الحقيقة الوحيدة أن ابتسامة “عدولة” استبدلت اليوم بعشرات النظرات الحائرة لأطفال يحمل كل منهم قصته في قلبه ويركض معها طلبا للمال.

سها كامل – اللاذقية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى