ثقافة وفن

رحلة مَعلَم دمشقي .. عن “مكتب عنبر” في المدينة القديمة

هو معلم أثري دمشقي يقع في دمشق القديمة شرق الجامع الأموي، ويبعد مسافة قصيرة عن الشارع المستقيم الذي يقسم دمشق القديمة جنوباً وشمالاً ويصل مابين بابي شرقي والجابية، وهو يعتبر المنزل الأكبر بالمقارنة بمنازل المدينة القديمة.

بُناه وصُمّمه في منتصف القرن التاسع عشر “يوسف أفندي عنبر”، وهو من أعيان اليهود الدمشقيين، وهو بناء بديع متقن، يعد مثالاً للبيت الدمشقي المشهور، شكله مستطيل بمساحة 5000 متر مربع ومقسم لثلاثة أقسام، كل قسم له باحته الخاصة التي تحيط بها الغرف، ويبلغ مجموعها 40 غرفة موزعة على طابقين.

حيث يعتبر المكتب صرحاً حضارياً هاماً ومركزاً تعليمياً رائداً كان له أثر كبير في النهضة العلمية والثقافية في دمشق، إذ تخرّج منه أبرز وأهم من تقلدوا المناصب في دمشق وبيروت وهو الآن مقر لجنة حماية مدينة دمشق القديمة، وفيه مركز البوابة الإلكترونية لخدمة الأحوال المدنية.

وسُمِّيت المنطقة التي يقع فيها باسمه نظراً لأهميته، كما صدر فيلم مكتب عنبر ضمن سلسلة الأفلام الوثائقية “بصمة مكان” التي قدّمت بمناسبة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية.

بني المكتب سنة 1872، بينما يقول باحثون آخرون: إن “تاريخ تشييده يعود لعام 1867، حيث أنفق على إنشائه 43 ألف ليرة سورية، وكان هذا المبلغ ذو قيمة كبيرة جداً حينها، اكتمل بناء قسمين منه بمبلغ ضخم جداً، وبسبب ارتفاع التكاليف قام عنبر بالتخلي عن المشروع في عام 1887″.

ثم قامت الدولة العثمانية بمصادرته منه لقاء دين لها عليه حيث كان بمثابة “المكتب السلطاني” وأكملت بناءه وأضافت له جناحين، وحولته إلى مدرسة لتعليم الأولاد، وحُفر على اللوحة الخارجية التي تعلوها الطغراء السلطانية: (مكتب إعدادية ملكية).

وبعد طرد العثمانيين من سوريا عام 1918 قامت الحكومة العربية بتحويل المبنى إلى مدرسة للبنات (معهد التجهيز والفنون النسوية) برعاية ديوان المعارف ومن بعدها هُجر المكتب.

وكان مكتب عنبر من أهم مدارس الحكومة، وصفوفها تنتهي إلى صف التاسع فقط، وأكثر طلابها من أبناء دمشق، ثم أكملت صفوفها حتى الصف الحادي عشر فأصبح ثانوية كاملة.

ليسمى، حينها، (سلطان مكتب) أي المدرسة السلطانية، ولكن اللوحة على الواجهة لم تبدل، وبعد فترة أصبحت الصف الثاني عشر الثانوي هو أعلى الصفوف” اي صف البكالوريا في وقتنا الحالي.

ومما قاله فخري البارودي في مذكراته عن مكتب عنبر:
“كان مكتب عنبر المدرسة الإعدادية الوحيدة في دمشق، يتراوح عدد طلابها مابين الخمسمائة والستمائة، الطلاب النهاريون يتعلمون مجاناً، بينما الليليون أو الداخليون يدفعون أجرة الطعام والنوم”.

“وكانت المواد التي تُدرّس فيه (القرآن الكريم، العلوم الدينية، الفقه، اللغة العربية، ترجمة اللغة التركية، الفارسية، علم الاقتصاد، علم الجغرافية والفلك، وجغرافية الدولة العثمانية، تاريخ الدولة العثمانية، الحساب الجبر، الزراعة، الرسم، حسن الخط، الكيمياء والفيزياء والميكانيك، علم طبقات الأرض، النباتات الحيوانات)”.

أما في العهد العربي، كان مكتب عنبر من أول المؤسسات التي عادت إلى اللغة العربية بعد حملات “التتريك” العثمانية، ودرس فيه نخبة مختارة من علماء البلد، أمثال : حسن يحيى الصبان، أبو الخير القواس، شكري الشربجي، كامل نصري، محمد البزم، رشيد البقدونس، وغيرهم.

وفي عهدالاستعمار الفرنسي، تحول مكتب عنبر إلى مركز للجهاد ضد الفرنسيين بعد دخولهم دمشق عقب معركة ميسلون في 24 تموز عام 1920 وأحد نقاط المشاركة في الثورة السورية الكبرى 1925م، ومنه انطلقت المظاهرات ضد الفرنسيين.

وبعد جلاء الاستعمار الفرنسي، اتخذت الحكومة من المبنى مقراً لمعهد التجهيز والفنون النسوية ومن ثم هُجر، وكان المبنى المهجور متضرر جداً وعلى وشك الانهيار الكامل، وقامت وزارة الثقافة بشراء المبنى بهدف الحفاظ عليه من الانهيار.

ومن بعدها قامت بتحويله إلى مقر للثقافة العربية في عام 1976، فقامت الوزارة بإجراء الإصلاحات وأعادت للبناء رونقه وبهاءه، وتم إلغاء المطبخ ومطعم الطلاب الليلي، وتحولت قاعة الكيمياء والفيزياء الكبيرة إلى قاعة محاضرات.

وأصبح مدخلها من الباحة الأولى، وتم إنشاء عريشة في الباحة الأولى وزرع بها أشجار الكرمة كبقية البيوت الدمشقية التي لايخلو بيت منها من دالية عنب، وأشجار الزينة، وأُعيد ترميم الحمام وفتحه للزائرين.

وفصلت الدار التي ألحقت بالمكتب والتي كانت معدة للطلاب ودار المعلمين وصالة المرسم وملعب الرياضة حيث سُلمت لجمعيات خيرية في عام 1980، واكتملت أعمال الترميم وافتتح بمسمى (قصر الثقافة العربية) ويحتوي على متحف و قاعة عرض ومكتبة.

ومنذ عام 1988 أصبح المكتب مقراً “لمديرية دمشق القديمة” التي تُعنى بكل ما يتعلق بالمدينة القديمة داخل السور، وبه قاعة للمكتبة ومتحف وورش للعمل اليدوي.

وفي عام 2012. افتتحت محافظة دمشق مركزاً لخدمة المواطن في مكتب عنبر (البوابة الالكترونية)، ويتضمن عمل المركز معاملات ترخيص، خدمات وشكاوى، وإخراج قيود وتراخيص وسجلات إدارية، وتقديم معاملات واقعة ضمن المدينة القديمة داخل السور وخارجه وشرائح والمباني الأثرية.

يذكر أن مكتب عنبر يعد من أجمل البيوت الدمشقية القديمة التي لم يطرأ عليها أي تغيير نتيجة العوامل الطبيعية والبشرية.

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى