العناوين الرئيسيةمن كل شارع

حدائق سوريا: بين صرخات حرب مضت وضحكات أطفال بقيت.. حدائق حلب ذاكرة المدينة

دفنت في تراب حدائق مدينة حلب قصص وذكريات عديدة عن سنوات حرب موجعة طالتها، وكانت لحدائقها نصيب من تلك الأوجاع على غرار باقي المحافظات، محتضنةً جثامين الآلاف من الشهداء بـ “شاهدات” غطت على المراجيح والألعاب التي افتقدت ضحكات الأطفال فيها.

وكانت لمعظم حدائق حلب خلال سنوات الحرب حصة من أوجاع المدينة، سواء بالأضرار التي تعرضت لها أو تحولها لساحة حرب فعلية، كما حصل في حديقة بستان القصر، إضافةً للجوء الأهالي لها مجبرين وتحويلها لمقابر تضم شهداءهم.

ويستذكر أهالي المدينة معبر بستان القصر الذي كان يلقب حينها بـ “معبر الموت”، الواصل بين مناطق الدولة السورية والمناطق المحتلة من قبل المسلحين المتشددين.

كما يستذكرون الحديقة المتواضعة التي اشتهرت في تلك السنوات، لكثرة ما سقط بها من شهداء وجرحى نتيجة استهدافهم من قبل قناصات وقذائف المسلحين.

حديقتين فقط

وتوقفت معظم حدائق مدينة حلب خلال سنوات الحرب عن العمل سواء في الأحياء التي كانت محتلة آنذاك أو في الأحياء الموجودة بمناطق الدولة السورية، ويمكن القول أن حديقتين أساسيتين فقط ظلتا متنفساً للأهالي “بخطورة”، وهما الحديقة العامة وحديقة السبيل.

أما عن باقي الحدائق الصغيرة المنتشرة في المدينة، عانت من أوضاع خدمية سيئة واختفت العوائل من معظمها، خوفاً من الاستهدافات التي كانت تحصل بشكل يومي من قبل المسلحين، إضافةً لتحول عدد كبير منها لمقابر.

وسبب تحول حدائق حلب لمقابر هو نتيجة تواجد المقابر الأساسية والأضخم للمدينة في المناطق المحتلة من قبل المسلحين المتشددين، أولهم المقبرة الحديثة على طريق المطار، ومقبرة قاضي عسكر (الشعار)، بالإضافة لمقبرة ميسلون.

إصرار على الحياة

بالعودة للحديقتين الأساسيتين في حلب (الحديقة العامة والسبيل)، فإن لجوء الأهالي لهما خلال سنوات الحرب لم يكن بالأمر السهل حتى، فرغم استمرار عملهما إلا أن موقعهما القريب من مناطق سيطرة المسلحين جعلتهما على مستوى من الخطورة أيضاً.

وفي حديقة السبيل، ظل “السعدان سعيد” وحيداً لسنوات، كما بقيت نوافير الحديقة العامة الراقصة نائمة بمعظم أوقاتها، في الوقت الذي اكتظت به باقي حدائق حلب الصغيرة بزائري القبور الباكين.

ورغم ذلك، فلا يمكن القول أن الحركة في الحدائق توقفت بشكل كامل خلال تلك السنوات، بل إن الإصرار على الحياة كان باقياً لأناس تراهم بشكل يومي في ساعات الصباح الأولى وهم يمارسون تمارينهم الرياضية على وقع أصوات القذائف والرصاص وصافرات الإسعاف.

وانتقالاً لأشهر الحدائق التي عانت من ويلات الحرب في الأجزاء التي كانت محتلة من المدينة، نذكر منها حديقتي بستان القصر والسكري، فالأولى كانت خط تماس مباشر بين جزئي المدينة، سقط فيها المئات من الشهداء ومثلهم مصابين برصاص القنص، والثانية التي كانت تجمعاً شهيراً للأهالي من أجل التقاط تغطية الشبكة للاطمئنان على ذويهم.

معبر الموت وحديقة الأفراح

في حديقة بستان القصر المتواضعة، ظلت هياكل المراجيح و”الزحليطة” كما هي بالصدأ الذي غطاها طيلة تلك السنوات، وكانت تلك الحديقة جزء من خط المعبر الذي كان يسلكه الأهالي للانتقال بين مناطق الدولة السورية والمسلحين، متحملين استفزازات وسرقات وأتاوات تفرض عليهم من قبل المسلحين في كل دخول وخروج.

ومنه فإن الحديقة كانت الهدف الأساسي للمسلحين أثناء تعمدهم ارتكاب استفزازت لإغلاق المعبر، عبر استهداف المدنيين العابرين برصاص القناص أو قذائف الهاون، في جرائم بشعة بعيدة كل البعد عن الإنسانية.

والوجع الذي طال أهالي حلب في “معبر الموت”، جعل المنطقة من الأولى التي أعيد ترميمها بعد أيام قليلة من تحرير كامل أحياء المدينة، في إصرار على محو ذكريات هذا الشارع الذي لا يتجاوز طوله الكيلو متر، إلا أنه كان “فراش” عدد كبير من شهداء حلب.

وأولى الأعمال التي تمت عقب تحرير كامل حلب، هو محو أثار الحرب عن حديقة بستان القصر، لتعود بالفعل بعد مدة قليلة مستقبلةً العوائل ومحتضنةً صراخ أطفالهم وضحكاتهم، لتكون كل صرخة تعلو وكأنها تواسي صراخ من سقطوا سابقاً على رمل هذه الحديقة.

ولم يقتصر الأمر على حديقة بستان القصر، بل قامت أيضاً إحدى العوائل بإحياء حفل زفاف كبير في المعبر وعبر شارعه، في رسالةٍ واضحة بأن الموت لن يبقى مخيماً هنا، ليتحول منذ ذاك اليوم لقب معبر بستان القصر من “معبر الموت” لـ “معبر الأفراح”.

حديقة السكري لالتقاط شبكة الخليوي

وعن حديقة السكري، فهي التي خلت تماماً من روداها وتحولت لتجمع أهالٍ في محاولات صعبة من أجل التقاط إشارة الشبكة الخليوية بهدف التواصل مع عوائلهم ولو لدقائق من أجل الاطمئنان عنهم.

ويعود السبب بذلك كون شبكة الاتصالات الخليوية في تلك الأحياء في ذلك الوقت كانت مقطوعة بشكل شبه كامل، نتيجة التخريب والسرقات التي تعرضت لها أبراج الاتصالات من قبل المسلحين المتشددين، لتكون حديقة السكري المنطقة الأسهل التي يمكن أن تصل لها الشبكة من مناطق الدولة السورية.

أما حالياً وبعد ما يقارب الأربع سنوات على تحرير كامل مدينة حلب، مازالت بعض الحدائق فيها تفتقر للتجهيزات وعمليات الإصلاح والترميم اللازمة لها.

وبالمقابل هناك حدائق أخرى تم تجهيزها وإعادة افتتاحها بالفعل، وبكلا الحالتان، فإن هذا الأمر لم يمنع الأهالي من العودة لارتياد حدائق مدينتهم، مع استثناء تلك التي تحولت لقبور منها.

نقل مقابر الحدائق

كما يجب الإشارة هنا إلى أن الحدائق التي تحولت لمقابر يتم منذ أشهر التوجه لإعادتها إلى وضعها السابق عبر نظام اتبعه المعنيون في المدينة لنقل رفات الشهداء والمتوفين إلى المقابر النظامية.

علماً أن آلية النقل يتم الإعلان عنه من قبل مجلس المدينة بين الحين والآخر ولكل حديقة أو منطقة تباعاً، مع التنويه بأن أكبر الحدائق التي تحولت لمقابر تلك الموجودة في حي حلب الجديدة.

وبعد سنوات صعبة كانت فيها حدائق حلب وجعاً من أوجاع الحرب، ما زالت هناك بعض المنغصات التي يشتكي منها أهالي المدينة لواقع الحدائق، خصوصاً العامة والسبيل، والمتعلقة ببعض المظاهر المسيئة التي يصطدمون بها، كالازعاجات التي تتعرض لها الفتيات من قبل شباب “زعران” هناك أو كثرة انتشار المتسولين فيها أو الشجارات التي تحصل بين الحين والآخر.

وفا أميري _ تلفزيون الخبر _ حلب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى