كاسة شاي

تشرين الأول.. بداية الشتاء الطويل و قصص السوريين الدافئة

شارف شهر تشرين الأول على منتصفه، هذا الشهر الذي يعتبر بداية لفصل الشتاء البارد والطويل في سوريا، شهر تركيب “الصوبية” و”مد السجاد” و بداية “ارتداء الصوف”.

وتقسم السنة في سوريا إلى أربعة فصول رئيسية أطولها هو فصل الشتاء الذي يبدأ من منتصف شهر تشرين الأول وحتى نهاية شهر آذار.

و يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي منتصف ليلة 29 تشرين الأول ، وذلك بتأخير عقارب الساعة 60 دقيقة الى الوراء، ويستمر العمل بالتوقيت الشتوي عادةً حتى الجمعة الأخيرة من شهر آذار ليبدأ عندها العمل بالتوقيت الصيفي.

و تستعد معظم العائلات السورية لفصل الشتاء من بداية شهر أيلول بتحضير المونة والالتزام بالمدارس، أما تركيب المدفأة فيبدأ لدى بعض العائلات في منتصف تشرين الأول و بعضهم في نهايته، مع بدء العمل بالتوقيت الشتوي.

و يعتبر المازوت هو الوسيلة الأكثر استخداماً للتدفئة خلال فصل الشتاء، إنها صورة الأب المحفورة في ذاكرة معظم السوريين وهو يقوم يتركيب “صوبية” المازوت وسط غرفة الجلوس، لتلتف حولها العائلة في ليالي الشتاء الباردة.

و خلال سنوات الحرب ارتفعت أسعار المازوت، حيث ارتفع سعر ليتر المازوت في العام 2010 إلى 25 ليرة، وفي منتصف العام 2013 إلى 60 ليرة، وإلى 80 ليرة في العام 2014، ثم ارتفع إلى 125 ليرة في العام ذاته، وفي نهاية العام 2016 ارتفع سعر الليتر إلى 135ليرة، ليستقر على 180 ليرة في العام 2016.

و نتيجة لهذه الارتفاعات المستمرة، المترافقة مع ثبات الدخل وانخفاض القدرة الشرائية، كان السبب الرئيسي للبحث عن بدائل أخرى تؤمّن الدفء، ليعيد ذلك العادات القديمة في التدفئة إلى الواجهة، و التي كانت سائدة في خمسينيات القرن الماضي، وهي “مدفأة الحطب”.

ولم يوفّر السوريون أي حل بإمكانه مساعدتهم خلال سنوات الحرب، وبدأوا بتركيب صوبية الحطب، إلا أن سعر الحطب الذي ارتفع أيضاً، وانتشار حرائق الغابات والتعدي عليها، واستغلال حاجة الناس للحطب، حال دون هذا الحل، مع ارتفاع سعر كيلو الحطب إلى 100 ليرة نهاية العام الماضي.

ولا تعتبر “صوبية” الحطب أو المازوت وسيلة للتدفئة فحسب، بل هي طقس اجتماعي وتاريخي اعتاد عليه أبناء سوريا، أنها “لمّة” العائلة والأصدقاء والجيران، صورة إبريق الشاي الساخن فوقها، و سعادة الأطفال بروئة النار من خلف زجاجها اللامع.

و في داخل الأحياء الشعبية لاتزال صورة الوعاء الممتلئ بالشوربة أو الفول و الحمص، أو صورة تحميص رغيف خبز على “الصوبية”، جزء من ذاكرة السوريين التي استمرت إلى ما قبل سنوات الحرب.

و الصورة هنا لا تختلف كثيراً بين بيت وآخر في هذه الأحياء، ما دامت الحالة المادية هي التي تنظم إيقاعها، ولكنها تغيرت مع الأيام واختلفت ما بين الماضي والحاضر، لتبقى صورة مدفأة الحطب بجمراتها و صورة بابور الكاز وقد علا رأسه قطعة مثقبة من التنك لتوزيع وهج النار، شيء من الذاكرة الجمعية للسكان، يستعيدونها في ما يشبه الحكايات التي تسبق أو تلحق بجملة (سقى الله تلك الأيام).

ومع بداية شهر تشرين الأول تبدأ الأم السورية بفتح السجاد و مده على أرض المنزل، إنها حالة الطقس التي بدأت بالتغير، فأخذت درجات الحرارة بالانخفاض تدريجياً خاصة في فترتي الصباح والليل، وأصبح السجاد مهماً خاصة للعائلات التي تحتوي على أطفال.

أما الصوف، حكاية سورية جميلة تدغدغ الذاكرة بصورة امرأة مسنّة تحيك الصوف الملوّن بالقرب من المدفأة في ليالي شتاء سوريا البارد، فالمتجول في سوق الصوف الذي يوازي سوق “مدحت باشا في دمشق القديمة يرى السوق يعج بزبائنه من النساء الذين يتبضعون الصوف المخصص لحياكة الملابس والذي تتنوع ألوانه وأنواعه.

و يذكر العديد من الباعة أن السنوات الأخيرة شهدت إقبالاً كبيراً على شراء الصوف من قبل السيدات اللواتي دفعهن ارتفاع اسعار الملابس الصوفية الجاهزة الى حياكة هذه الملابس لأبنائهن بجودة وجمالية لاتقل عن الجاهزة بل تفوقها في كثير من الأحيان، إنها الملابس الصوفية االزاهية الألوان والقبعات الشتوية المزركشة، جميعها خصصت لاستقبال فصل الشتاء.

سها كامل – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى