ثقافة وفن

تجربة نفسية مُمَسْرَحة: عرض “درس قاسي”.. يبحث في العنف الاجتماعي وخضوع الفرد

يبحث عرض “درس قاسي” الذي أعده الدكتور سمير عثمان الباش عن نص بالعنوان نفسه للكاتب الروسي “فالنتين كراسنوغوروف” في الأصول السيكولوجية والاجتماعية للعنف الاجتماعي، ومنابع القسوة، كما يُبين آليات خضوع الأفراد للشخصيات ذات السطوة ولو كان ذلك مضاداً لما تمليه عليه ضمائرهم.

يتمحور العرض حول تجربة نفسية يُشارك فيها الطالبان “لورا” و”يزن” (جسَّدهما: توليب حمودة، وكرم حنون)، تحت إشراف الدكتور “إبراهيم” المتخصص بعلم النفس (أوس وفائي)، ويُعذِّبون فيها المتطوعة “أليسا” (فرح دبيان) حتى الموت، وذلك لـ«غايات علمية بحتة».

تهدف التجربة، في مستوى التَّلقِّي الأول، لاكتشاف العلاقة بين التحصيل العلمي والخوف من التعذيب الجسدي، حيث يقوم الطالبان بمُحاولة تحفيظ عشرة أبيات من أشعار شكسبير للمتطوعة الموصولة على كرسي كهربائي، وكلما أخطأت ولو بكلمة فإن ذلك يُعرِّضها لصدمة كهربائية تزداد شدَّتها تِباعاً مع تراكم أخطائها.

وطبعاً مُغريات الاشتراك في هذه التجربة عديدة، منها المال والعلامات العالية في الامتحان العملي، فضلاً عن ترغيب الدكتور “إبراهيم” بأن هذه التجربة ستؤدي إلى اكتشافات علمية هامة بالنسبة للمجتمع والإنسانية جمعاء، لذا لا ينبغي إيقافها بسبب آلام شخص واحد، لأن نتائجها في المستقبل ستوقف آلام الملايين.

وفي خضم الترغيب والترهيب الذي مارسه المُشرِف على التجربة، والضغط النفسي الهائل، يتحول “يزن” المنحدِر من عائلة ميسورة إلى جلَّاد حقيقي وقاتل موتور، في حين أن “لورا” تخلَّت عن الاستمرار في التجربة، ولو كلَّفها ذلك رسوبها في الامتحان، رغم عاطفتها الجيَّاشة تجاه أستاذها.

هنا، في ذروة هذه الـ«تجربة النفسية المُمَسْرَحَة»، يطفو على السطح سؤال مهم: من هو المذنب الرئيسي في القتل؟ هل هو الطالب الغِرّ الذي اتبع إرشادات أستاذه؟ أم الدكتور المُحرِّض الذي مارس سلطته واستخدم بوعيٍ أساليبَ الضغط التي تُمارس لقيادة الفرد في المجتمع فحوَّل الطالب إلى قاتل؟

وقبل معرفة الجواب يظهر أن للتجربة غايات أعمق مما أبرزه مستوى التلقي الأول، فلا علاقة بها أصلاً بأثر العقاب الجسدي في التحصيل العلمي، وإنما في قياس مدى استعداد الأفراد لإطاعة الشخصيات صاحبة السلطة والسطوة وإخضاعهم لدرجة تنفيذهم لما يتناقض مع ضمائرهم.

فالخداع الذي مورس على الطالبين لم يقف عند الضغط النفسي وإنما بالتمثيل عليهم، إذ نكتشف أن المتطوعة ممثلة مسرحية محترفة وتحفظ عن ظهر قلب جميع أشعار شكسبير، وما هي إلا صديقة قديمة للدكتور “إبراهيم”، وليست الكهرباء التي تصدمها إلا رقماً مُتزايداً على مؤشر شدة التيار، من دون أي تأثير حقيقي.

كما يكشف العرض الحدود الرفيعة الفاصلة بين الأفعال الأخلاقية ونقيضها ضمن المجتمع، لاسيما مع تشابك علاقات الحب بين الشخصيات الأربعة، فلورا تتخلى عن يزن خطيبها المستقبلي بعدما شهدت من ساديَّتِه، وتعترف بحبها لأستاذها، الذي بدوره يبادلها الاعتراف ذاته، رغم عاطفته تجاه صديقته الممثلة التي تتركه لشغفه بطالبته، ليبقى “يزن” الضائع الأكبر بعدما تحوَّل إلى «مشروع قاتل».

يقول المخرج “سمير عثمان الباش” لتلفزيون الخبر: “إن موضوع العنف الذي تصدى العرض لتحليله وسبر أغواره داخل النفس البشرية، صار جزءاً من حياتنا اليومية، وهو بلا شك من أهم مواضيع الساعة، فقد أصبح يُمارس يومياً بين الأفراد وبين الجماعات وحتى بين الدول”.

ويضيف: “نحن في سوريا عانينا على مدى سنوات من العنف، ولا نزال، ومسرحيتنا هذه لا تحاول تغيير العالم، بل تدعو كل إنسان لأن يتحمل مسؤولية عمليه، الذي يجب أن يكون أكثر طيبةً وإنسانية، كما أننا لا نُدين الإنسان بقدر ما نعطف عليه ونرثو لحاله”.

يذكر أن عرض “درس قاسي” الذي قُدِّم في مختبر “مدرسة الفن المسرحي” تم إنجازه بمنحة من “اتجاهات ثقافة مستقلة”، و”معهد غوتة”، وهو مستمر حتى الـ27 من الشهر الجاري.

بديع صنيج_ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى