العناوين الرئيسيةمجتمع

المواطن السوري سبّع الكارات حتى يعيش.. ولم ينجو

“لا أحد يصبح غنيّاً بالعمل من الثامنة وحتى الخامسة” هي إحدى المقولات الشهيرة لبارون المخدرات الكولومبي بابلو اسكوبار، والذي ربما تعبر جملته عن حال المواطنين السوريين في هذه الأيام.

وإن فسّرناها بشكل مختلف، فالمواطن السوري لا يستطيع العيش براتب عمل واحد من الثامنة للخامسة -فقط-، فيلجأ لعمل آخر ليردم الفجوة بين متطلباته وغلاء الأسعار.

24 ساعة هي مدة اليوم، يقضي الإنسان الطبيعي ثلثها في النوم وثلثها في العمل وبثلثها الأخير يتفرغ لهواياته وأصدقائه، هذا هو تقسيم اليوم الطبيعي للشخص العادي. اما المواطن السوري، فلا يجد وقتاً للنوم خلال الأربع وعشرين ساعة، وليؤمن مصروفه وحاجاته يجب عليه العمل بشكل مضاعف، مضاعف مرة وربما مرتين.

“أسامة” مسبع الكارات

“على المواطن السوري أن يكون “مسبّع الكارات” لكي ينجوا بنفسه كل يوم، فراتب واحد لا يكفي” بهذه الجملة رحّب بي مهندس الميكانيك “أسامة” عندما التقيته في حلبة الملاكمة.

الشاب العشريني الذي سافر الى روسيا لدراسة الرياضة بعد تخرجه من جامعة تشرين، لم يستطع التخرّج من جامعته الروسية باختصاص علم تدريب الملاكمة واضطر للعودة بعد جائحة كورونا، وعندما لم يجد عملا بشهادته الهندسية، بدأ بتعليم الملاكمة لليافعين.

مدخول هذا التدريب لا يكفي أسامة كي يدفع أجار بيته ويؤمن حاجياته الأساسية، فيعمل مساءً في إدخال بيانات على أحد المواقع الالكترونية، فيما يقوم بالمساج الطبّي لبعض الأشخاص في أوقات أخرى، كل هذه الأشغال يقوم بها خرّيج الهمك من جامعة تشرين.

أما “علا ” أصبحت تعاني من التناقض في شخصيتها، فالفتاة التي تدرس في كلية الفنون الجميلة في دمشق تعمل في النهار في الشركة العامة للطرق والجسور، وهو مجال يبعد كل البعد عن دراستها ولا يضيف لخبراتها الفنية شيء.

ولاسيما أن اختصاص “علا” في كلية الفنون هو النحت ويحتاج إلى خيال وحرية كبيرة الأمر الذي لا تجده في عملها المليء بالروتين، ولكون العيش في العاصمة يحتاج إلى دخل إضافي فقد اضطرت للعمل في روضة أيضاً بالإضافة إلى عملها الأول.

وتقول علا لتلفزيون الخبر” إن التناقض بين عملي ودراستي أثر بشكل أو بآخر على نفسيتي، ولكني مضطرة للموضوع لكون الراتب لا يكفي، ولكنّي أحاول أن أخرج مع أصدقائي من باب مكافأة الذات بعد الجهد خلال النهار وإن كان الوقت لا يسمح بذلك دائما”.

تصوير ودبلجة واكسسوارات

في الوقت الذي سعت فيه خرّيجة الإعلام “رامه” للظفر بالعمل الذي يناسب طموحها، وجدت نفسها تعمل في عدة مجالات منها التصوير الفوتوغرافي، بالإضافة إلى صناعة الإكسسوارات بشكل يدوي.

والعمل في الاكسسوار يضيف إلى حياتها نوع من الجمالية وخصوصاً أن معظم التصاميم تخلقها في مخيلتها وتطبقها على أرض الواقع لتخرج بأشكال وتصاميم مميزة.

ويبدو أن مجال الدبلجة لم يكن أقل شأن عندها فمنذ مدة بدأت بالدخول إلى هذا العالم الفني الرائع من حيث الإعداد ووضع سيناريو السلوغونات والبرومويات، والعمل الأهم الذي يمسك زمام ما سبق هو مجال التسويق الالكتروني الذي بوساطته تستطيع رامه أن تنسق بين أعمالها.

ورامه الأم وربة المنزل تحاول قدر الإمكان أن تقضي وقتها مع عائلتها برغم انشغالها، وبالنسبة للأصدقاء فهذا الشيء يبدو أنه صعب جدا فلا وقت متاح لقضائه مع الأصدقاء وتعوضه بالاطمئنان عليهم عن طريق الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي.

مرفأ وجمارك وأعراس

يقضي “عبد اللطيف ” يومه صباحا بين الأوراق ومستندات أرشيف الجمارك في مرفأ اللاذقية، لينتقل عصرا للعمل في شركة خاصة، فيما يعمل في بعض الأوقات بتصوير الأعراس والمناسبات.

وتحدث “عبد اللطيف” عن صعوبة التعامل مع أنواع مختلفة من الناس، فالناس في المرفأ مختلفون جدا عن الأشخاص الذين يقابلهم في الشركة الخاصة، فيما يعتبر أن التعامل مع السهرانين في الأعراس والطبّال هم الأصعب.

ومع توقف الحفلات بسبب جائحة كورونا يبحث “عبد اللطيف” عن عمل جديد ومهنة جديدة ليتقنها فالراتب الواحد لا يكفي لسداد حاجياته، فكيف إن أحب أن يساعد أسرته.

ويتقن عبد اللطيف مهنة جديدة كما فعل الآلاف من الشباب السوريين، ففي الوقت الذي يتفرغ الناس حول العالم لأحلامهم وهواياتهم بعد انتهاء أوقات دوامهم الرسمية، يبدو أن شبّان وشابات بلادنا، لا وقت للصرف عندهم، فبين العمل الأول والثاني استراحة يقضيها المواطن في وسيلة مواصلات يرتاح بها من عمله الأول ويودع شخصية ويتقمّص أخرى.

لؤي سليمة – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى