كاسة شاي

الكتابة على السيارات.. حيطان متنقلة اخترعها السوريون قبل “الفيسبوك” بعشرات السنين

على الطريق الدولي بين حمص واللاذقية تسلى الطفلان أيهم وجودي بملاحقة العبارات المكتوبة على الشاحنات الكبيرة التي تعبر أمام سيارتهم الصغيرة، متسائلين عن معناها، إلا أن والدهما عجز عن إيجاد إجابة مقنعة عن سؤال طفليه، لماذا كتب السائق (لا تلحقني مخطوبة) على سيارته؟.

ولطالما طالعتنا ملصقات وعبارات متنوعة على زجاج وصناديق السيارات الخلفية وحتى الزجاج الأمامي، وهي أشبه بأفكار و(حكم) متجولة على الطرقات، تعكس وجهة نظر السائق أو تعبر عن طريقة تفكيره وهواجسه وأحلامه، وهي بطريقة أو أخرى تمثل حائطه “الفيسبوكي” قبل اختراع مارك زوكربيرغ للفيسبوك بعشرات السنين، وتشكل بمجموعها ثقافة متخصصة، تميز شريحة مهمة من المجتمع.

ورغم أن هذه الظاهرة تندرج تحت بند الحريات الشخصية، فصاحب السيارة حر بما يفعله بها، إلا أن بعض العبارات وطريقة عرضها، تخرجها من تصنيف الحرية الشخصية، لتصل حد الإزعاج، فتخرج عن حدود اللياقة في بعض وسائل النقل العامة، أو تشكل خطراً على السلامة العامة على الطرقات.

الحكم والمواعظ والأدعية

دأب الكثير من سائقي الشاحنات خاصة والذين يسافرون لساعات طويلة، على كتابة عبارات من قبيل طلب رضى الوالدين، أو أدعية دفع الحسد أو لطلب السلامة على الطرقات.

وهذا النوع لازال موجوداً، وغالباً تبقى هذه الجمل موجودة على المركبة حتى لو تغير السائق مثل “عين الحسود فيها عود” أو تبلى بالعمى ” أو “اللهم أعطي كل إنسان ضعف ما يتمناه لي”.

المعاناة والشكوى والتظلم الاجتماعي

أكثر جملة مناسبة لهذه الحالات كانت من نمط “عشقت السفر من غدر البشر”، وهي عبارة اشتهرت بكتابتها على بعض السيارات ووصلت إلى صفحات “الفيسبوك” من باب السخرية، وهي تعكس حالة محزنة لكاتبها أو من يشكو ترك حبيبته له وغدر أصدقائه وأقاربه.

ومثلها عبارة “كنت عصفور أكلوني، عملت أسد صاحبوني”، ورغم أن هذه الجمل تثير ضحك الكثيرين وسخريتهم، كان من اللافت أن الذين يضعونها على سياراتهم هم على قناعة تامة بما يفعلون وبمحتواها، سواء الشكوى أو الدعاء وغيره.

عبارات الغزل والحب

ويتميز كاتبو عبارات الحب بكونهم الفئة الأكبر، فالحب والهيام وعبارات الغزل لا يكفيها جدران المدارس ولا أوراق الرسائل، ومن الضروري أن تلصق على زجاج السيارة، وهكذا يعلم المارون بين السيارات ذوق السائق الموسيقي وحالته العاطفيه من نظرة واحدة، فهو يختار عبارة من أغنيته المفضلة ويهديها للمارة والركاب وعابرو السبيل.

الألقاب والاستعراض

وهي كلمات انتشرت خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، فصاحب السيارة عاشق الأحزان أو عاشق فلانة، أو بعض الألقاب ذات البعد السياسي أو التعظيمي، أو الذي يوحي بأن صاحبها ” إذا مال على الحائط هده”.

الرانج مع المدام

نوع آخر من العبارات الساخرة انتشر خلال سنوات الحرب في سوريا، مثل ” يرجى عدم التفجير قرب السيارة”، أو “عزيزي الحرامي السيارة مفتوحة مافي داعي تكسر الشباك” أو من كتب على سيارته الصغيرة “الرانج مع المدام”.

وتأتي بعض العبارات من فئة ما يعتبر خادشاً للحياء العام، ومرفوضا من أغلبية الناس، وتروي سماح قصة حصلت معها لدى ركوبها إحدى التكاسي في دمشق، على طريقة التكسي سرفيس.

وتقول سماح “لم يتمالك الرجل الخمسيني الجالس إلى جانب السائق نفسه، واندفع سائلاً السائق الشاب باستنكار عن لزوم العبارة الموجودة فوق الزجاج الداخلي المكتوب فيها ” لا تلومي نظراتي لومي جمالك”.

وتابعت “ليجيبه السائق بقسوة بما معناه أن “لا دخل لك بالموضوع”، ذلك أن معنى العبارة يتضمن تحرشا واضحا بالراكبات الجالسات في المقعد الخلفي، واللواتي ستطالعهن العبارة بمجرد نظرهن إلى المرآة أمام عيون السائق الذي يتمتع بخبرة رصد ردة فعل الراكبة”.

وتبقى السيارات الفارهة خارج هذه الفئة، وربما تنتسب لفئة “اذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب” فالمظهر الاجتماعي جزء لا ينفصل عن الحالة الاقتصادية والثقافية للسائق أو صاحب السيارة، وبطبيعة الحال اقتصرت “حتى الآن” هذه الظاهرة على سيارات الرجال، أو التي يقودها رجال.

وخلال السنوات الأخيرة تراجعت هذه الظاهرة إلى حد ما، وفي البحث تجد أن هذه العبارات انتقلت من الطرقات إلى “حيطان الفيسبوك” لتحظى بمنبر واسع يتلقى الاعجاب والتهليل والترحيب.

فأصحاب ثقافة “التشبيح” و”الاستعطاف” والشكوى وعبارات الحب والهيام ، بات لديهم صفحات شخصية على فيسبوك أو صفحات عامة أيضاً تعرض بطرق مشابهة نفس الجمل وتتجول أمام أنظار رواد العالم الافتراضي.

وأصبح لهذه العبارات صفحات على “فيسبوك” فتجد صفحة اسمها “لا تلحقني مخطوبة” ومجموعة بعنوان “دوبلني واتفرج”، ويمكن أن يحدث العكس، فيكون “فيسبوك” هو المصدر لهذه العبارات والملهم الأساسي لأصحاب ثقافة “عبارة على السيارة”.

ويشير أحد أصحاب المطابع إلى أن “فئة الشباب هم الأكثر اهتماماً بوضع مثل هذه العبارات، ويقومون بتغييرها باستمرار حسب الرائج منها”، لافتاً إلى قيام البعض بوضع عبارات لتغطية خدش ما في السيارة”.

و تكاد لا تخلو سيارة سورية من كلمات أو ملصقات على زجاجها علما أن قانون السير والمركبات في سوريا ينص على أن يعاقب بغرامة مقدارها 1000 ليرة وبإزالة المخالفة ( التي تقتضي طبيعتها ذلك ) وحسم نقطة واحدة كل من يقوم كتابة عبارات أو وضع ملصقات مهما كان نوعها أو شكلها أو مضمونها داخل أو خارج السيارة عدا المرخصة، فيما لم يذكر القانون ماهو نوع العبارات التي تعتبر مرخصة.

يذكر أن هذه الظاهرة تنتشر أكثر في البلدان العربية والشرق الأوسط حيث يندر أن ترى سيارة في أوروبا أو اليابان يستطيع صاحبها أن يكتب عليها رأيه أو يعبر فيها عن مشاعره .. “ياحسافة “.

رنا سليمان – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى