فلاش

الطلاق .. حلم سوريات يحققه اللجوء

 

ارتبط امتداد سنوات الحرب في سوريا بخلل في بنية المجتمع السوري الذي يبدأ بناءه بالنواة الأولى والأساسية فيه، ألا وهي الأسرة، فلم تعد مشكلات الخيانة، أو العقم، أو المشكلات المتعارف عليها ك(بيت الإحمى – والعين الطالعة لبرة) السبب الرئيسي في حالات الطلاق، بل اتسعت قائمة الأعباء وطالت لتشمل المشكلات التي كونتها الحرب وأصبحت تحول دون استمرار الزواج ليصل الأزواج في نهاية المطاف الى قرار الطلاق.

وسعى أغلب السوريين مؤخراً وفي زمن الحرب إلى تحويل وجهة حياتهم إلى دول اللجوء، كإجراء فرضته عليهم الحرب التي لم يُعرف لها نهاية، حيث عقدت أغلب العائلات العزم على ترك البلاد لتبدأ حياة جديدة في إحدى الدول التي تراها مناسبة للجوء.

وارتبطت أحلام الكثيرين بالهجرة رغبةً منهم بالاستقرار والعيش الرغيد، لكن الكثير من أحلام المهاجرين السوريين تحطمت على صخور المجتمعات الجديدة، محطمة معها قيود الزواج والكثير من “البيوت العمرانة”.
وأضيفت إلى مشكلاتهم الأساسية التي اصطحبوها من مجتمعاتهم مشاكل أخرى فرضتها عليهم البيئات الجديدة التي وجب عليهم الاندماج فيها، إضافة إلى صعوبة الانتقال والوصول، والقوانين المختلفة التي عليهم الالتزام بها، مما دفع بحياتهم واستقرارهم إلى التدهور.

وبدأت دول اللجوء بتسجيل حالات الطلاق الكثيرة بين الوافدين الجدد، وتنوعت الأسباب بين الاجتماعية والاقتصادية والنفسية منها، فعانت الجهات المعنية بأعباء الفصل بين الزوجين، إضافة إلى أعباء لم الشمل التي كانت على عاتقها.
تقول ريم 30 عاماً لتلفزيون الخبر: ” طلبت الطلاق بعد سنتين من وصولي إلى السويد، وهذا ما كنت لن أفعله في سوريا، فقد مانع أهلي كثيراً رغبتي بالطلاق، لأن ذلك باعتقادهم يتنافى مع العادات والتقاليد، فالمطلقة امرأة تلاحقها الأقاويل، لكني تحملت عشر سنوات من العذاب والمعاناة مع زوجي”.

وتابعت “مسؤولو الضمان الاجتماعي سمعوا حكايتي وقصصت لهم معاناتي، وأعطوني سكناً مستقلاً وحقاً مؤقتاً في حضانة أطفالي، إلى أن يبت القاضي في موضوع الوصاية، ووجهوا لي مساعدات مادية مستقلة عن زوجي”.

وفي محطة أخرى تقول مروة لتلفزيون الخبر:”لم نكن نعاني من مشاكل حقيقة طوال خمس سنوات من الزواج، حيث كانت حياتنا مستقرة و تشبه حياة الكثيرين ممن نعرفهم في سوريا، المشكلات الحقيقية والضغوطات بدأت عند تركنا لسوريا.”

وأضافت “الغربة وابتعادي عن أهلي، وشكوك زوجي الدائمة بي وحبسي في المنزل، والمشكلات المادية انعكست سلباً على تفاصيل حياتنا اليومية، وكنت دوماً أشعر بعدم الاستقرار الذي يهدد أسرتي ومستقبل بناتي في بيئة لانعرف عنها شيئاً، مع العلم أنه في الطريق تحدثنا كثيراً عن مستقبلنا الذي اعتقدنا أنه سيكون سعيداً، ووصلنا بعد رحلة سفر صعبة”

ويشرح قيس معاناته لتلفزيون الخبر معبراً عنها”بالمفاجأة”، “كانت المفاجأة عندما علم ،أن زوجته طلبت فصل الملفات عند تمام عملية اللجوء، وأخبرت المسؤول أنها ” مصرة على قرار الطلاق مذ كانت في سوريا لكن القوانين في سوريا تمنعها من ذلك، و تم بعد ذلك فصل ملفاتنا، واتخاذ الاجراءات المتمثلة بفصلنا.”

وفي قصة أخرى من قصص اللاجئين، روى مهدي ما جرى معه قائلاً: “بعد نهاية اجراءات المحكمة في دمشق ، وبعد اتفاقنا بأننا لن نتزوج في سوريا، اشترطت والدة طليقتي أن أسافر ، لضمان مستقبل جيد منذ البداية لابنتها”.

وتابع مهدي، ” سافرت “بالبلم” إلى جزيرة في اليونان، وتابعت بعدها رحلتي وتكلفت وقتاً ومالاً كثيراً، وازداد وقت الانتظار بعد وصولي للحصول على الإقامة، وانتهاء اجراءات لم الشمل”.

صُدِم مهدي بعد طلب زوجته المنتظرة الطلاق لحظة وصولها إليه، وادّعت انها لا تحبه ولا تطيق عيشاً معه، مما ساعدها بإسراع عملية الطلاق، ولم يتمكن مهدي المغلوب على أمره وفق قوله، من إعلام وإقناع المسؤولين بحالته “.

ريم، لجأت إلى هولندا من تركيا إلى اليونان مرورا بمقدونيا فصربيا هنغاريا النمسا ألمانيا وصولا إلى هولندا، وصلت واستكملت أوراقها ليلحق بها زوجها حسام، أشهر قليلة التي قضياها معا، قبل أن تقرر ريم طلب الطلاق وهي حامل .

قالت ريم لتلفزيون الخبر “لا يمكن أن أقبل منه اليوم كثيرا مما كنت أقبله في دمشق، القانون هنا ينصفني، يمكن لي أن أستقل، وأربي طفلتي ولا أرى مانعا من ذلك”.

وتابعت “ليس من المنطق أن يحافظ على تفكيره الذكوري السابق بعد كل ما مررت به حتى جلبته إلى هنا، قضيت لصديت، إهانات وذل ومرمطة، أستحق أن أرتاح من تفكيره الذكوري على الاقل “.

وأثبت تقرير لصحيفة “باروميترن” السويدية “أن النساء يشعرن أنهن لم يعدن بحاجة للعيش مع رجالهم الذين أجبِرن على الزواج بهم، ويتمكّن من اتخاذ القرار بأنفسهن، و الحصول على إعالة مادية أفضل”.

وأضاف التقرير، “أنه منذ الأول من تموز ٢٠١٤ ، صدر قرار بمنع الزواج القسري في السويد، و النساء السوريات يشعرن بالامتنان للقانون السويدي، حيث أصبح بإمكانهن تقديم طلب بالطلاق دون أي مشاكل و عوائق تقف في طريقهن”.

وأوضحت”إيساك بيرنتسون” مسؤولة في الضمان الاجتماعي في السويد لتلفزيون الخبر” أن حالات الطلاق بين اللاجئيين السوريين شهدت زيادة كبيرة، مضيفةً أنه لايوجد حتى الآن إحصاءات رسمية دقيقة لتلك الحالات”.

وتابعت”بيرنتسون: “هناك العديد من حالات الطلاق الوهمية بهدف الحصول على مساعدات أكبر وشقتين ، وأكدت أن الدائرة على علم بهذه الحالات، لكنهم يغضون أنظارهم ريثما يتم التأكد من دقة الحالات”

ويقول “جوناس كارلسون” محامي سويدي “ربما الزواج والطلاق في سوريا يخضع للأعراف والتقاليد، مما يدفعنا لحمل أي طلب طلاق على محمل الجد، لأن مهمتنا الحفاظ على مجتمع مستقر خال من المشاكل، وللأسرة أولوية رئيسية في عملنا”.

وأضاف “كارلسون”: “واجهنا حالات غريبة لزواج قاصرات بأعمار 15 و 16 عاماً، وحالات من الضرب المبرح، والعديد من المشكلات المادية المتعلقة باستيلاء الزوج على دخل زوجته” .

وأردف :” نحن على علم باختلاف ظروف حياتهم وأفكارهم، لكنا مضطرون لمحاكمة الأمور ضمن المفاهيم السويدية، وعليهم مراعاة الضوابط والنظم هنا”.

وبالعودة للقانون في سوريا، يقول المحامي رامي جلبوط: ” أن حالات الطلاق هذه تبقى بلا إثبات في السجلات السورية، وتكمن المشكلة في عدم تحديث بيانات سجلات الأحوال المدنية في سوريا نتيجة عدم قيام اللاجئين السوريين في بلدان اللجوء بمراجعة السفارة السورية في بلدان اللجوء التي يقيمون فيها خوفاً من سقوط صفة اللاجئ عنهم، وبالتالي فقدانهم لحق الإقامة.”

ويضيف “جلبوط”: “صدر مؤخرا القانون رقم 4 لعام 2017 الذي عدل مواداً من المرسوم التشريعي 26 ،الصادر في 2007، حيث اصبح من الممكن إثبات وقائع الأحوال الشخصية عن طريق وثائق أجنبية مصدقة أصولا وتبقى المشكلة في الوصول لهذه الوثائق خصوصا في حالات الطلاق.”

هي الحرب..تستمر وتطول لتشمل كما بدا واضحاً كثيراً من تفاصيل حياة السوري، وتودي بمسيرة حياته لمحطات لم يكن يتوقعه، وتغير احلاماً وتطرح أولويات لم تكن في الحسبان، ليبدو اللجوء محققاً لأحلام نساء سوريات خذلتهن القوانين والأعراف في وطنهم الأم، ليكون اللجوء باباً مشرّعا على الحياة الجديدة التي طالما طمحن لها.

روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى