محليات

السوريون “يتكدسون” ويزاحمون الفيروس على الهواء .. ضعف ثقافي أم حكومي؟

نسفَ فيروس كورونا مظاهر التجمعات في كثير من دول العالم على اختلاف أعراقها، مع كل رمزيتها وحتى قدسيتها، وقلبَ كل ما عهدناه سابقاً رأساً على عقب، فغابت الجماهير عن ملاعب كرة القدم، وألغيت الحفلات الفنية وتحولت قاعات الجامعات إلى دروس افتراضية إلكترونية، حتى وصل الأمر لطقوس دفن الموتى وإقامة الأعراس واستقبال التعازي.

أما في منطقتنا العربية_كعادتها_ وقفت المجتمعات موقفَ مقاومة التغيير، وظلت إلى حد كبير متمسكة بما سارت عليه الأمور سابقاً، فلا كورونا يقف حاجزاً أمام التجمعات، ولا الفطر الأسود، ولا غيره.

إهمالٌ يراه البعض مرتبطاً بالمستوى الثقافي، ما أثر في مقدار الحرص على الذات، بينما يراه البعض، تصرفاً فرضته ظروف المعيشة والحياة، فمن سيلزَم بيته، “وتمْ ولادو مفتوحة للهوا”، يقول البعض.

محلياً، لم ينجح كورونا بعد، بإثارة القلق والرهبة في نفوس السوريين، إلى حد كبير، رغم عمل شريحة ضيقة بنصائح الجهاز الصحي وتعليماته حول ضرورة ارتداء الكمامة والأخذ بالتباعد الاجتماعي وتلقي اللقاح.

استجابةٌ بطيئةٌ في تطبيق الإجراءات الاحترازية والوقائية مقارنة ببقية دول العالم، رغم فرض السلطات حظر للتجول، وإيقاف العمل بالمواصلات العامة، وإلغاء الدوام في المدارس والجامعات، مع فرض ارتداء الكمامات الواقية.

باصات النقل الداخلي..”مافي مكان للفيروس”
لعلّ تكدس المواطنين في باصات النقل الداخلي، في جميع المحافظات، من أكثر المظاهر العجيبة والطريفة في الوقت نفسه، فمن الصعب جداً أن تجمع دعوات الجهات الحكومية لتحقيق التباعد، مع “الماراتون” اليومي وحلم المواطن بمقعد باص، أو وصوله إلى عمله وقوفاً وقرفصة، ولو حتى” تعليق”.

في حين يرى البعض، أن اتجاه الكثيرين إلى وسائل النقل العامة مكرهين، لا يمنعُ من التمتع ببعض الوعي، وارتداء الكمامة أضعف الإيمان، كما يقول “لؤي” وهو طالب في جامعة البعث بحمص.

وأضاف “لؤي”:” نعلم صعوبة الوضع الاقتصادي على الجميع، لكن سعر الكمامة 300 ليرة، ويمكن لأي شخص غسلها وإعادة ارتدائها، نحن لسنا في أوروبا وهذا صحيح، ودخل الفرد ضعيف للغاية، لكن من الواجب أن يخاف المرء على صحته، إن لم يخف على صحة المحيطين به”.

مجالس العزاء.. خوف من كسر التقاليد رغم خطرها
أصدرت العديد من المكاتب التنفيذية في المحافظات، قرارات بإغلاق مجالس العزاء وصالات الأفراح، بهدف منع انتشار الوباء، تجنباً لإرهاق القطاع الصحي، دون أي تطبيق عملي لتلك القرارات بالشكل العام، فالأعراس مستمرة ومجالس العزاء منتشرة، كما رصد “تلفزيون الخبر” في حمص على سبيل المثال لا الحصر.

إلا أن بعض هذه العادات ألغيت في عدة مناطق بشكل محدود، واستبدلت بعزاء افتراضي يتقبل فيه ذوو المتوفى التعازي عبر مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، مرفقين النعوة باعتذار صريح عن عدم إقامة العزاء والاكتفاء بالتعزية عن بُعد.

على الجانب الآخر، وبينما يواصل كورونا تسجيل الإصابات والوفيات في سوريا، مع موجته الرابعة (دلتا)، يرفض الكثيرون ترك هذه العادة، فيقيمون العزاء، ويفتحون المجالس معتبرين “عدم تطبيقها أمراً معيباً ووصمة عار تاريخية لن تنسى”.

يقول أحد سكان مدينة حمص لتلفزيون الخبر انه” مع استمرار تسجيل الإصابات والوفيات، يجب على الجهات الحكومية، اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، منها دفع غرامات بحق من لا يلتزمون بالكمامات في الأماكن العامة، ومنع التجمعات والأعراس، لأن الوباء لا يرحم، ولا يعرف قسوته سوى من أصيب به،”ويلي مو مصدق يسأل مجرب”.

الكورونا في وادٍ.. وحفلات وزارة الثقافة في واد آخر
رغم الجهود التوعوية من القطاع الصحي، على ضعف تأثيرها، مع جهود متضافرة إعلاميا ً لرفع مستوى التنبيه والتحذير، إلا أن الحفلات الثقافية في مديريات الثقافة بالمحافظات لم تتوقف، بل يُعلن عنها باستمرار، مع غياب لأي إجراء احترازي، والكمامة” تبكي وحدها في الزاوية”.

ويستغرب “وائل” وهو طالب في كلية الهندسة بجامعة البعث هذا الأمر، وقال لتلفزيون الخبر” يفترض أن تتصف وزارة الثقافة بشيء من اسمها، وتساعد على نشر الوعي حول الوباء، وتمنع التجمعات، لا أن تقيمها كل يوم وآخر”.

ويشار أن الكثير من الحفلات الموسيقية والعروض المسرحية، تم تنظيمها وإحياؤها ما بعد انتشار الوباء، حيث تشهد دار الأوبرا بدمشق عدة حفلات، كما هو الحال على مسرح دار الثقافة بحمص، المفعمة بالنشاط هذه الأيام.

الجامعات حكاية أخرى.. الكمامة “برستيج” على الباب فقط
ينطبق ما سبق، على الجامعات والمدن الجامعية، من حيث تكدس الطلاب أفواجاً، مع ندرة من يرتدون الكمامة، وتكتيك جديد يتمثل بوضعها أمام حراس الحرم الجامعي، وخلعها مجرد الدخول.

في القاعات والكافيتريات، لا يختلف الأمر كثيراً، فالمئات يصطفون بجانب بعضهم، في مكان مغلق، دون أي تباعد أو كمامات، مع مظاهر” التبويس” المرفقة بعبارات المزاح والتي اشتهر منها ” تعا هات كم فيروس تعا”.

“الطوابير على ضروريات الحياة”.. البيئة المناسبة لكورونا
أجبرت الأوضاع الاقتصادية الصعبة السوريين على ممارسات أدت إلى تفشي المرض أكثر من قبل، ومنها الوقوف في طوابير طويلة، أمام المخابز ودور المازوت والغاز ومراكز خدمة المواطن، وشركات الاتصال وغيرها.

ولسان حالهم يقول، كما يعبر عنه “أبو علي” وهو من سكان حي الزهراء لتلفزيون الخبر أن:” لا أحد يحب الوقوف والانتظار لساعات أو حتى دقائق، لكن الظروف معروفة للجميع، وتأمين حاجياتنا يتطلب الوقوف أمام الدوائر الرسمية، وصالات المؤسسات التجارية”.

وأردف:” بلا كورونا ولا بطيخ”، أكياس الرز والسكر أهم عندنا من الإصابة، كما أن ال50 لتر من المازوت تستحق ذلك، وغيرها من الضروريات التي لم نعد نحصل عليها كما في الماضي، بل بوقوفنا في طوابير، مضطرين لذلك لا حباً بتلك التجمعات المهينة”.

مناشداتٌ حد الترجي.. والمواطن رافض للقاح و “مبنج” بالشائعات
وفقاً لكل المعطيات التي يعيشها العالم اليوم مع كورونا، ستكون هناك حالة تعايش بطريقة ما تختلف عما قبلها، حيث سيكون الناس أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التجاهل واستمرار الإصابات والخسائر، أو الالتزام بضوابط التعايش مع هذا الوباء، والتقيد بما يتناسب والوضع الصحي.

يقول “رامي” وهو مهندس معلوماتية لتلفزيون الخبر:” على الجميع أن يتخلى عن الكثير من العادات الاجتماعية، كالأعراس والمعانقة والمصافحة والشرب بإناء مشترك، وشرب الاركيلة وغيرها”.

وأضاف:” صحة الإنسان وحياته أهم بألف مرة من العادات والتقاليد، وهنا لا نطلب نسفها أو تحقيرها، بل تأجيل ممارستها لحين انتهاء الوباء فما المشكلة بالسلام عن بعد، وعدم تبادل القبل، والاجدر أن يتقبل الجميع هذه التصرفات لأنها دليل خوف على صحة الآخر لا التقليل من احترامه”.

حرية فردية يسمح المساس بها
يذكر الجميع حالة الامتعاض الشديد، مع الحظر الذي فرضه الفريق الحكومي، تقليداً لبعض الدول، في فترة سابقة من عمر الجائحة، مع جلوس المواطن في منزله دون الخروج، وهو ما نسي لاحقا كأنه لم يكن، مع تخفيف القيود وعودة الأمور إلى مجاريها، ما عدا أعداد المصابين المتزايدة بشكل متواتر، حتى وصلت ذروتها مع متحور “دلتا” حالياً.

ولا تخف نسبة جيدة من المواطنين رغبتها بعودة الحظر، مع كل الاستهتار من قبل الرافضين لتلقي اللقاح، وإلغاء عبارات التحرر في هذا الموضوع، فالأمر في نظرهم أبعد من ذلك، ويتجاوز الحرية الشخصية، كون الوباء عالمي الهوى لا يعرف الحدود، أو الجنس والعمر، مع ضرورة إيجاد حل إجباري لتطعيم أكبر عدد من السكان.

ويعرب هؤلاء صراحة _ ولعلهم محقين_ عن رغبتهم بفرض اللقاح إجبارياً، باستخدام الجهات الرسمية لسلطتها، بعد عامين مليئين بملايين الوفيات دون أن يثير الوعي، فلا بد حينها من الضبط الخارجي برضخ الممتنعين طوعا عن تلقي المطاعيم، مع كل ما يمثلونه من فرص واسعة لنقل أو اكتساب الإصابات بهذا الفيروس، ما يشكل أيضا عبئا ضاغطا، على المواطنين والمشافي.

“الصحة تكشف عن عضلاتها”.. والباقي على المواطن
وكانت وزارة الصحة خصصت أكثر من 967 مركزاً ومشفى إضافة إلى 200 فريق جوال في القرى والمناطق التي لا توجد فيها مراكز صحية في المحافظات.

وعن عدد المواطنين المتلقين للقاح بينت مديرة الرعاية الصحي الدكتورة رزان طرابيشي أن :”عددهم بلغ 450 ألف شخص تلقوا لقاح كورونا بشكل كامل بينما تجاوز عدد من تلقوا الجرعة الأولى الـ 650 ألف شخص”.

يشار إلى أنه وفي آخر تحديث يومي نشرته وزارة الصحة عبر حسابها على فيسبوك يوم الأحد، تم تسجيل 145 إصابة جديدة بفيروس كورونا ما يرفع العدد الإجمالي إلى 46275 ووفاة 5 من الإصابات المسجلة ليرتفع العدد الإجمالي إلى 2666 وفاة منذ بدء الجائحة.

عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر_ حمص

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى