كاسة شاي

الحصن .. عظمة تاريخية في وسط سوريا

تقع قلعة الحصن

ضمن السلسلة الشرقية من جبال الساحل السوري وتحديداً في محافظة حمص، وتبعد عن مدينة حمص 60 كم، ونظرًا للأهمية التاريخية والعمرانية اعتبرتها منظمة اليونسكو قلعة تاريخية هامة لاحتوائها على تراث إنساني عظيم، وسجلت القلعة على لائحة التراث العالمي في عام 2006.


يعتقد أن القلعة أقيمت فوق أطلال قلعة أقدم منها كان اسمها “شبتون” أقامها الفراعنة عندما غزوا سوريا بقيادة رمسيس الثاني في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وبالرغم من ان الآراميون سكنوا المنطقة منذ فترة طويلة إلا أنه ليس في هذا الحصن ما يشير إلى وضع آرامي قديم.

ويذكر بعض المؤرخين بأن اليونانيون بنوا معقلاً عسكرياً في المنطقة المتوسطة بين طرابلس وحمص، وسماها اليونان “Pirgas” أي الحصن أو المعقل وتسرب هذا التعريف إلى العربية بكلمة “برج” لنفس المسمى.

تعد قلعة الحصن نموذجاً كاملاً للقلاع العسكرية المحصنة اتخذت شكل مضلع غير منتظم، لم يستكمل بناء القلعة دفعة واحدة وإنما تم بناؤها على شكل مراحل مختلفة، وشيدها المرداسيون عام 1031 حيث كان الهدف منها حماية طريق القوافل التجارية، وسكنها الأكراد لحماية الطريق، ولذلك حملت اسم حصن الأكراد.

ومع وصول حملات الصليبيين عام 1099، استولى على الحصن ريموند صنجيل ونهب محيطها من قرى ومزارع ثم استرجعها منه أمير حمص سنة 1102، وقام بعدها تانكرد صاحب أنطاكية عام 1110 بالاستيلاء عليها.

وفي 1144 قام ريموند الثاني أمير طرابلس بتسليمها إلى فرسان القديس يوحنا المعروفين بالإسبتارية، وهم مجموعة من الرهبان المقاتلين عرفوا بإسم فرسان المشفى، والذين أعادوا بناء دفاعات جديدة للقلعة وعرفت بعدها باسم قلعة الفرسان.

حاول العرب استعادة القلعة عدة مرات فحاصرها سلطان حلب السلجوقي ألب أرسلان لفترة قصيرة سنة 1115 م ولم يستطع تحريرها، وحاول السلطان نورالدين الزنكي تحرير القلعة مرتين عام 1163-1167 م، كما حاصرها صلاح الدين الأيوبي حوالي عام 1188م أثناء مرور جيشه لاستعادة الساحل السوري دون تحريرها.

وقام السلطان المملوكي الظاهر بيبرس بأول محاولة لتحرير القلعة من الصليبيين عام 1267 م بعد أن حرر كل الحصون والأبراج المجاورة والقريبة منها، كما قام بالهجوم مرة أخرى عام 1269 م، وبدأ الحصار الرسمي للقلعة في عام 1271 م، الذي استمر قرابة الشهر ونصف قبل أن يستسلم الفرسان مقابل خروجهم إلى طرابلس.

تعرضت القلعة لزلزال عام 1157م والذي دمر أيضآ العديد من المباني في بلاد الشام، كما أصابها زلزال شديد عام 1169 م، فلم يبقى فيها سور قائم مما دعا بالصليبيين آنذاك إلى قيام بتجديدها ثانية وترميم الأجزاء المنهارة منها وزيادة تحصيناتها.

وفي عام 1201 م، أصاب القلعة زلزال ثالث مدمر أحدث فيها أضراراً واسعة وبعد هذا الزلزال بدأ الطور الثالث من إعمار القلعة نتجت عنه حلقة الدفاع الخارجية والجدار المنحدر الضخم في الجهة الجنوبية والمستودع خلف الواجهة الجنوبية.

وكانت هناك اقتراحات في العام 1929 بأن القلعة ينبغي أن تكون تحت السيطرة الفرنسية، وفي 16 نوفمبر 1933 تم تأجير قلعة الحصن لحكومة الانتداب الفرنسي، وتم نقل القرويين القاطنين في القلعة إلى محيطها، ودفع مليون فرنك فرنسي كتعويضات لهم.

اعتبرت قلعة الحصن واحدة من مناطق الجذب السياحي الرئيسية في المنطقة في عهد السيطرة الفرنسية، وكان المهندس بيير غوبيل مشرفا على اعمال الصيانة للقلعة وهو نفسه الذي كان أيضا مشرف على اعمال الصيانة في برج لي ليونز وقلعتين اثنتين في صيدا، ومع انتهاء الانتداب الفرنسي على سوريا عام 1946 عادت ملكيتها للحكومة السورية.

تمتاز القلعة بلون حجارتها الكلسية التي كانت تجلب من مسافة 4 كم من بلدة مجاورة تدعى عمار الحصن، وتبلغ المساحة الإجمالية للقلعة حوالي 30000 م2، وترتفع القلعة عن سطح البحر حوالي 750 م.

ويعتبر الحصن الداخلي قلعة قائمة بذاتها يحيط بها خندق يفصلها عن السور الخارجي، ولها بوابة رئيسية تتصل بباب القلعة الخارجي بواسطة دهليز طويل ينحدر تدريجيًا حتى الباب مؤلفًا منعطفًا دفاعيًا في منتصفه، ولهذا الحصن ثلاثة أبواب مفتوحة على الخندق، ويمتاز بأبراجه العالية.

ويتألف السور الخارجي للقلعة أو مايسمى بالحصن الخارجي من عدة طوابق، فيه القاعات والإصطبلات والمستودعات وغرف الجلوس، ومزود بـ13 برج بعضها دائري وبعضها مربع أو مستطيل، وهو محاط بخندق.

ويقع داخل القلعة كنيسة تم تحويلها خلال العصر الإسلامي إلى مسجد، ويعتقد أن الكنيسة الحالية ربما بنيت لتحل محل كنيسة قديمة دمرها الزلزال عام 1170، ويشبه تصميمها المعايير القديمة التي كانت متبعة في فرنسا ببناء الكنائس، ولكن رغم التشابه فإن بناء هذه الكنيسة يعود إلى حوالي سنة 1186.

سيطرت الفصائل المسلحة على القلعة عام 2012، وتعرض بعض أجزاءها لضرر جزئي نتيجة الاشتباكات في محيط القلعة، واستعاد الجيش العربي السوري السيطرة على القلعة عام 2014.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى