فلاش

الحرب كـ “شماعة” للفساد والإهمال ؟.. قصة مشروع السكن الشبابي باللاذقية مثالاً

ينتج عن أي حرب في أي بلد العديد من النتائج الكارثية التي يدفع ثمنها في معظم الحالات أهالي تلك البلد، وثمن الحرب السورية كانت كبيرة من كافة النواحي، إلا أن استغلال تلك الحرب من بعض الجهات لتحميل أخطاء سابقة لها، لا ذنب للحرب بها، هو الأمر الذي يجب أن يكون غريباً، وخصوصاً أن الثمن يتحمله المواطن الذي لا ذنب له ولا حول أو قوة.

وفي الوقت الذي من المفترض أن تكون فيه المؤسسة العامة للإسكان خير سند لأولئك المواطنين الذين خسروا ما يملكون خلال الحرب، وحتى منازلهم، تتفاجأ من القرارات التي تصدر وهدفها كل شيء عدا نفع أو دعم المواطن.

ووصل لتلفزيون الخبر العديد من الشكاوى حول المؤسسة العامة للاسكان في اللاذقية، التي تبين أنها “تطالب المواطنين بمبالغ مالية كبيرة زائدة لأقساط البيوت، “متحججةً” بالحرب، علماً أن المؤسسة هي من خالفت شروط العقد مع المواطن عبر تأخر التسليم قبل الحرب”.

مشاريع يجب تسليمها منذ 2007

بداية القصة كانت منذ عام 2002، حين قام العديد من المواطنين بالاكتتاب على مشروع السكن الشبابي باللاذقية، التابع للمؤسسة العامة للاسكان، حيث يبلغ عدد المكتتبين، بحسب ما ورد لتلفزيون الخبر في الشكوى، “حوالي 6000 مكتتب”.

وأوضح المشتكون أن “مدة تنفيذ المشروع بحسب العقد هو خمس سنوات تبدأ من عام 2002، أي أن تسليم المنازل يجب أن يتم عام 2007، الأمر المذكور أيضاً في دفاتر المنازل الخاصة بالمكتتبين وبشكل واضح لا مجال للشك فيه”.

وبين المشتكون أن “المؤسسة العامة للاسكان في اللاذقية خالفت شروط العقد بشكل كامل، ولم يتم التسليم عام2007، والوضع استمر على ما هو عليه حتى الآن”.

أربع سنوات منذ تأخر التسليم وصولاً “لحجة الحرب”

بعد مخالفة المؤسسة لشروط العقد بتسليم المنازل عام 2007، مضت أربع سنوات كاملة قبل بداية الحرب السورية، “حجة المؤسسة” بحسب المشتكين، ولم تقم المؤسسة خلالها بتسليم أي منزل.

ومع بداية الحرب وسوء الأوضاع المعيشية والأمنية، بقيت المنازل التي من المفترض أن تسلم منذ عام 2007 على وضعها، ليتم مطالبة المكتتبين بعد استقرار الوضع الأمني بدفع أقساط زائدة نتيجة لأن المواد وكلفة المنازل ارتفعت بسبب الحرب.

وبين المشتكون أن “القسط سابقاً كان 2000 ليرة سورية، وحالياً أصبح 8000 آلاف ليرة سورية شهرياً، وزادت القيمة الاجمالية للمسكن بحوالي عشرة أضعاف عن قيمته الحقيقية”.

وأضافوا “هناك أربع سنوات بين مدة تسليم المنازل وبداية الحرب السورية التي تتحجج بها المؤسسة و بالتالي مطالبتنا بدفع مبالغ زائدة بسبب ارتفاع الأسعار، علماً أننا من المفترض أن نكون داخل تلك المساكن نعيش فيها منذ سنوات”.

وتابع المشتكون “على الرغم من تأخر التسليم الذي لا ذنب لنا به، ومضي أربع سنوات من تأخره لحين بداية الحرب في البلاد التي استمرت لست سنوات، فإن المؤسسة تطالبنا بذنب تأخرها عشر سنوات لندفعها من جيبنا، في حين يجب عليها تعويضنا ومحاسبة المقصرين فيها ومسببي هذا التأخر”.

من 560 ألف ليرة سورية إلى 7 مليون ليرة سورية

وأكد المشتكون أن “قيمة المسكن فئة (أ) حالياً تزيد عن 7 مليون ليرة سورية، تقسط لمدة 25 عام، ولكل منزل حسب موقعه سعر مختلف، بينما كانت القيمة في العقد قبل الحرب حوالي 560 الف ليرة سورية”.

ولفت المشتكون إلى أن “منطقة المساكن أيضاً في مكان بعيد عن المدينة، وليس بموقع استراتيجي كما كان في العقد، والقسط كان بـ 2000 ليرة شهرياً، وعند التخصيص بمسكن واستلامه يدفع المكتتب 30% من قيمة المنزل نقداً”.

وتابعوا “أما الآن ورغم مخالفة المؤسسة شروط العقد، فكل تأخر بتسليم المساكن يعامل المكتتب فيه بسعر جديد وقت التسليم، والأسعار دوماً بازدياد”.

مشروع السكن الشبابي منحة من الرئيس تتحول لـ “تجرة”

ويعتبر مشروع السكن الشبابي المذكور منحة من الرئيس بشار الأسد للمواطنين ذوي الدخل المحدود، إلا أن تلك المنحة أضحت “تجارة عقارية”، بحسب ما أكده عدد من المكتتبين.

وكشف المشتكون أنه “أمام الوضع المذكور، بالإضافة لأن أفضل راتب موظف لا يتخطى 40 ألف ليرة سورية شهرياً، لا يكفي لدفع ما تطلبه المؤسسة، يتم حالياً بيع هذه المساكن من قبل بعض المكتتبين لتجار العقارات، الذين يتغولون أكبر فأكبر”.

وذكر المشتكون أن “مشروع السكن الشبابي للأسف تحول لمساكن تجارية، ولم يعد مساكن لذوي الدخل المحدود والبسطاء، ومعظم المكتتبين الذين تفاجأوا بمطالب المؤسسة التي لا يقدرون عليها، استغنوا عن دفاترهم وباعوها لتجار العقارات”، على مبدأ “ارتاح من همها وهم المؤسسة”.

أين وزارة الإسكان مما يحدث منذ عشرة أعوام ؟

وتساءل المشتكون عن “دور وزارة الإسكان في هذه المشكلة، وأين اختفت طيلة العشرة أعوام السابقة عن ممارسات المؤسسة العامة في اللاذقية بما يخص المساكن الشبابية متأخرة التسليم”.

واستغرب المشتكون من “كيفية إلزام المواطن بشروط أي عقد يوقعه، بينما لا تلتزم الجهة الحكومية المسؤولة بشروط العقد ذاته، وليس ذلك فقط، بل تقوم بزيادة التكلفة على المواطن بلا أي حق”.

ولفت المشتكون إلى أن “المؤسسة العامة بدل أن تقوم بتعويض المواطنين عن تقصيرها الذريع طول مدة التسليم، لم يبدأ التسليم إلا بعد حدوث الحرب في سوريا، ومع تضاعف أسعار مواد البناء والخدمات، وبالنتيجة زيادة الأقساط كما ذكرنا سابقاً”.

وطالب المكتتبون عبر تلفزيون الخبر وزارة الإسكان والتعمير التي وصفوها بـ “الغائبة”، بالتدخل وحل الموضوع عبر “إلزام المؤسسة العامة للإسكان بالعقد الموقع مع المكتتبين كما هو وبالقيمة المذكورة بالعقد”.

مصدر في المؤسسة يكشف الأسباب الحقيقية

بالمقابل كشف مصدر في المؤسسة العامة للإسكان باللاذقية، فضل عدم ذكر اسمه، لتلفزيون الخبر ، أن السبب الحقيقي لتأخر التسليم هو “عدم وجود أراضٍ لإقامة المشروع وتأخر تأمين تلك الأراضي”.

وبين المصدر أنه “عندما تقوم الحكومة بالتوجيه لتخصيص مساكن وفتح باب الاكتتاب، لا تستطيع المؤسسة إلا التنفيذ، ولم تكن الأراضي مخصصة حينها، والتأخر الذي حصل سببه الرئيسي تأخر تأمين الأراضي”.

وأضاف المصدر “أما السبب الثاني فهو تأخر الجهات الاستثمارية العامة في التنفيذ، من حيث الانشاء والبناء وتأمين الخدمات، فبعد تخصيص بعض الأراضي للمشروع جاءت هذه المشكلة التي كان لها دور بعدم الانتهاء في عام 2007”.

وأشار المصدر إلى أن “المواطن بالفعل هو المتضرر من هذا العقد وشرطه غير المنفذ من جانب المؤسسة بالتسليم بعد خمس سنوات، ولا يوجد رد حول هذا الموضوع سوى عرض أسباب التأخر والإشارة إلى أن أي تعويض أو تخفيض للرسوم يحتاج لقرار وزاري أو مرسوم”.

ورداً على سؤال تلفزيون الخبر حول كيفية فتح باب اكتتاب على مشروع سكني بلا وجود أرض للمشروع، جاء رد المصدر بأن “هذا الأمر هو من مسؤولية الوزارة”.

وبالنهاية فإن مشروع السكن الشبابي المقدم لذوي الدخل المحدود بأقساط بسيطة سابقاً، تحول “لمشروع سكن تجاري” يجبر المكتتبين على البيع، نتيجة تلك الأخطاء التي تراكمت منذ حوالي عشر سنوات بلا اهتمام أو متابعة.

من هم المسؤولون ؟.. وأين حلولهم ؟

وتبقى الأسئلة المطروحة كثيرة عن “دور وزارة الإسكان خلال العشرة سنوات السابقة أمام المشاكل التي ظهرت في المشروع، وكيفية البدء بهكذا مشروع بلا أرض، وبأي حق وقانون يتم تجاوز شرط العقد من قبل الحكومة وعكسه على المواطن الملتزم بعقده؟”.

أما السؤال الأخير والأهم المطروح من قبل الأهالي فهو “من صاحب المسؤولية عن تلك الأخطاء الحاصلة والتي جعلت الآلاف يتضررون مادياً ومعنوياً بسبب “جرة قلم”؟، وهل يوجد “مصلحة” معينة من تحويل هذا المشروع الشبابي لمشروع تجاري؟، ومن وراء تلك المصلحة؟”.

هي تساؤلات كثيرة من واجب الحكومة بحق الأهالي المتضررين الإجابة عنها ومحاسبة مسببيها، ويبقى أمل أولئك المتضررين بأذن تسمع مناشداتهم “بتسليمهم مساكنهم التي من المفترض استلامها منذ سنوات بالسعر المذكور في العقد، بالإضافة لتعويض المتضررين ومحاسبة المسؤولين عن هذا الضرر”.

وفا أميري – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى