العناوين الرئيسيةمجتمع

التسول…مسلسل لاتنتهي مواسمه

يتكرر المشهد كل يوم عند نفق الأداب على أوتستراد المزة بدمشق , طفلتان لم ينتصف عقدهما الأول بعد , تلاحقان العابرين وتتوسلان لهم، بعبارات : “والله بدي أكل, بدي افطر, اتغدى, ما معي مصاري, الله ينولك يلي ببالك …” , تصل بهما الأدعية لملاحقة الناس لأخذ النقود مهما كانت.

مشهد آخر مشابه في التفاصيل في حي الشعلان وسط العاصمة، طفل في عقده الأول يفترش الرصيف بجانبه علب محارم صغيرة ملقاة على الأرض بشكل عشوائي، يوحي وجهه بالحزن.

للوهلة الأولى يظن من يقترب منه أن حادثاً ما أصابه أو تشاجر مع أحدهم وأوقع المناديل من يديه وبحاجة لمساعدة لإعادة ترتيبها أو تعويض بسيط, لكن للحقيقة وجه آخر فهي حيلة !.

في ذات الحي يحدث مع المارة لقطة أخرى من مسلسل التسول فتاة شابة بكامل أناقتها توقف الناس، وتذرف دموع صغيرة وتطلب بعض النقود لان حقيبتها سرقت، لن يدور بذهن المواطن أنها حيلة خاصة أن مظهرها يوحي أنها ” بنت عالم وناس”.

هذه الأساليب وغيرها الكثير امتهنها أطفال وشباب وشابات للتسول عن طريق استعطاف الناس والحصول على النقود، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على مساعدة المحتاجين الحقيقيين، حسب ما أوضحت لتلفزيون الخبر الدكتورة سراب سلهب اختصاصية الارشاد النفسي بكلية التربية بجامعة تشرين.

وأضافت الدكتورة سراب أن الناس باتت تجهل من هو المحتاج الحقيقي بسبب تلك الأساليب، محذرة من الآثار السلبية التي تتركها تصرفات الأطفال المتسولين على الأطفال الذين يتعرضون لتلك المواقف.

وأوضحت أن الطفل يحب اتباع سلوك النمذجة والتقليد اذ يرغب بتقليد سلوك المتسول لرغبته بمعرفة ماهية هذا العمل والتخلص من القيود والضوابط وادراكهم ان الاستعطاف يحقق نتائج مرضية.

وشددت اختصاصية الارشاد النفسي على الآثار المستقبلية التي تتركها الأساليب الاحتيالية على حياة المتسول في المستقبل الذي ربما يعتبرها أسلوب حياة.

وترى الدكتورة سراب أن الأساليب التي يتعلمها الطفل المتسول تجعله غير قادر على بناء مهارات حياتية سليمة وغالباً ما تؤدي أساليب الاحتيال هذه إلى سلوكيات منحرفة كالإجرام والسرقة وغيرها.

بدورها، قالت لمى نحاس رئيس مجلس أمناء مؤسسة سيّار لتلفزيون الخبر إن أغلب حالات الأطفال التي تعاملت معهم لا يعرفون أن ما يقومون به هو كذب لانهم مدربون على هذا الكلام أو الفعل الذي يقومون به.

تشير الناشطة إلى أن إحدى العقبات التي يواجهونها قيام مشغلي الأطفال بإطلاق ألقاب حركية عليهم على شاكلة : بطة , وزة ,وغيرها، موضحة أنه “حتى عند محاولتنا التقرب منهم نحتاج للكثير من الوقت لكي نصل لحقيقة أولئك الأطفال ووضعهم العائلي”.

وتعتبر نحاس أن المسؤولية تقع على عائلات الأطفال المتسولين أو مشغليهم وليست على الطفل الذي لا يفهم ما يدور حوله و ينفذ ما يُطلب منه “.

وترى نحاس أن الحل للحد من تسول الأطفال هو تطبيق أشد العقوبات على الأهل أو المستغلين وليس على الطفل لأنه ضحية.

وتختم نحاس حديثها تلفزيون الخبر بأن عدد الأطفال المتسولين ازداد بشدة في الفترة الأخيرة، مطالبة المعنيين بالتدخل “لأننا لا نعلم إلى أين ستصل وسائل وأساليب التسول”، وفق تعبيرها.

وعن نظرة القانون لهذه الظاهرة يشير المحامي فادي سليمون لتلفزيون الخبر إلى أن المادة رقم 604 المدلة من قانون العقوبات تفرض عقوبة “التشغيل مع الحبس من سنة لثلاث سنوات وبالغرامة من خمسين ألف إلى مئة ألف ليرة سورية على يدفع قاصراً دأو عاجزاً إلى التسول بأي طريقة كانت جراء منفعة شخصية”.

ويضيف سليمون أن قانون العقوبات يفرض عقوبة الحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من عشرة آلاف إلى خمس وعشرين ألف ليرة سورية على من يستطيع الحصول على موارد بالعمل واستجدى لمنفعته الاحسان العام في أي مكان صراحة أو ضمناً .

ويبلغ عدد المتسولين في دمشق حتى نهاية عام 2019 حوالي 500 متسول، بحسب أرقام وزارة الشؤون الاجتماعية التي أطلعتنا عليها مسؤولة فرق التسول بوزارة الشؤون الاجتماعية سابقاً فداء دقوري.

وتفيد رئيس مجلس إدارة جمعية دفا ومسؤولة فريق الرصد في وزارة الشؤون الاجتماعية سابقاً فداء دقوري أن عدد الحالات الموجودة اليوم ضمن مراكز الرعاية بدمشق يصل ل150 حالة موزعين على أربع مراكز, منوهة أن الحالات الموجودة في الشارع أكثر بكثير .

وتضيف أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لاتزال تعمل على الآلية القديمة التي صدرت مؤخراً وهي تبعية ملف التسول لوزارة الداخلية فليس هناك مكافحة من قبل الوزارة وإنما يقتصر عمل الوزارة بهذا الملف فقط بتحويل الحالة عندما تصل للوزارة إلى أحد مراكز دور الرعاية التابعة للوزارة.

صفاء صلال – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى