موجوعين

البطل السوري خالد عمران .. فقأت الحرب عينيه ولم يبدل تبديلاً

يصرّ البطل الرياضي خالد عمران على استقبال ضيوفه عند مدخل المنزل، ليؤكد أنه مازال قيد حياة، وغير آبه بالعمى الذي أصابه في ذات معركة خاضها ضد تنظيم “داعش”.

كتلة من الجبروت كان خالد عمران، قبل أن تجبره الحرب على أن يعتصر المرارة وقهر الرجال، في زوايا غرفة باردة مظلمة.

يحاول بطل سوريا أن يكرم ضيوفه، على قلتهم، طالباً منهم أن يوقدوا المدفأة التي توحي برودة معدنها بأنها لم تشتغل منذ مدة طويلة، وأن بطلنا اعتاد أن يتدثر إلى صدره في أوقات البرد.

يعيش خالد عمران في منزل صغير مستأجر في حي الدرزية، تفوح من جدرانه رائحة التعب ومعارك الطواحين، منزل مؤلف من غرفتين يحتضن أسرة من ستة أشخاص، وصالون تم إعداده كمطبخ لا يليق بمكانة بطل من أبطال سوريا، ولكن حسن الطالع أن خالداً لا يرى المكان وتفاصيله ويكتفي بما يشعر به القلب.

بزفير طائرة نفاثة يهم خالد عمران بالإجابة عن ظروفه الحياتية اليوم، فتختلج شفتاه بأقسى حد من الصلابة والرجولة، إلا أن طوابير حزن اصطفت في حنجرته تحاول الخروج فيكبتها بقسوة، لتشعر بأن عبرة حارقة خرجت من تحت النظارة التي تغطي عينيه الغائرتين في عظام الوجه.

اندفع خالد عمران للقتال بتاريخ 27/9/2011 بعد أن بدأت الضباع بنهش المدينة، مثخنة في أطفالها وشيوخها ونسائها قتلاً وخطفاً وتنكيلاً، فآثر على نفسه أن يكون مقاتلاً عندما هربت شوارب بعض الرجال من المدينة.

يقول : تعاقدت مع الأمن العسكري وتفرغت من وظيفتي بشكل كامل لمساعدة القوات العسكرية في الحرب، شاركت ببطولة مع الأمن العسكري في قتال المجموعات المسلحة في حي باب التركمان وباب هود، وأحرزنا تقدماً في المنطقة، كما شاركت في العمليات العسكرية لتحرير حي باباعمرو.

يتابع خالد عمران: انتقلت أيضاً للقتال في منطقة جحار وجزل في البادية، وشاركت بتحرير حقل حيان والبئر الأبيض بالإضافة إلى عدة قرى على طريق تدمر بريف حمص الشرقي.

ويردف : في نهاية عام 2014 وبداية العام 2015 تم تكليفنا بمهمة قتالية في درعا، حيث تمكنا من إنجاز المهمة الموكلة إلينا، ليتم تكليفنا بمهمة جديدة لتحرير بلدة القريتين عام 2016″.

ويتابع خالد عمران :”تمكنا من انجاز المهمة وتحرير القريتين ومحيطها من المزارع، وبقيت مع القوى الأمنية حتى أصدر رئيس الحكومة قراراً أنهى بموجبه التفرغ الوظيفي “.

ويوضح البطل السوري: لم أرغب في التوقف بعد انتهاء تفرغي، فالتحقت بالفيلق الخامس – اللواء الثاني بتاريخ 5/7/2017 ليتم تكليفنا بمهمة تحرير الزلاقيات ، قرب بلدة محردة في حماة.

ويضيف المدرب والبطل السوري خالد عمران : وبعد الانتهاء من تحريرها تم نقلنا إلى جبهة سلمية، فقمنا بتحرير عدة قرى، أذكر منها زنوبا والمداجن و رسم القطيشة وصولاً إلى عقيربات ، وهي معقل رئيسي لتنظيم “داعش”.

وأثناء العمليات الحربية في العقيربات ، أصبت بشظايا رشاش 23 مم وفقدت عيني اليمنى بشكل كامل، كما أصبت ب 11 شظية مستقرة في الرأس وتأذت عيني اليسرى لأفقد البصر نهائياً.

ويكمل عمران : تم اسعافي إلى مشفى سلمية، وتعذر علاجي هناك ليتم نقلي إلى المشفى العسكري بحمص، وبقيت لمدة أسبوع غائباً عن الوعي وبعدها تم تخريجي من المشفى لعدم إمكانية العلاج، وبقيت فاقداً للوعي لمدة 3 شهور في المنزل.

يتحدث عمران عن حالته بعد التخرج من المشفى: بقيت كالمجنون أخرج إلى الشارع محاولاً إيقاف السيارات ليأخذوني إلى حيث رفاقي في الجبهة، فكانت السيارات تقف ريثما يتم إبعادي عن الطريق لتتابع مسيرها، هكذا قال لي جيراني بعد استعادة التركيز.

وعن حياته بعد الإصابة يقول: توقف راتبي من مكان عملي العسكري بعد ثلاثة أشهر على الإصابة، نتيجة إجراءات ورقية يتم العمل على حلها، كما حاولت العودة إلى مكان عملي الأساسي في الخطوط الحديدية إلا أنني أيضاً لم أتمكن، ومنذ ذلك الوقت لم أتقاضى راتبي.

المدرب خالد عمران، الخارج من أتون المعارك مصاباً، رفض التوسل لأحد وقطع دابر الجوع بكبرياء البطل، إلا أن ذلك لم يدوم طويلاً فقد تلمس الفقر والحاجة كل أركان منزله البائس قبل أن يطلب العون، فاتصل بعضو مجلس المحافظة صلاح الجاني قائلاً : ” نحن جعنا يا أبو حيدر.

يتابع خالد عمران : وبأقل من ساعة زارني صلاح الجاني في المنزل، وذكرني بأنني بطل سوري، وأن تلبيتي واجب وليست منّة، وفعلاً تمكن من تأمين مساعدات فورية للمنزل عن طريق الأصدقاء والمعارف.

وبعدها، سمع بقصتي نادي الوثبة الذي تربيت فيه، حيث قام بتكريمي رئيس النادي اياد السباعي ووعد بتوظيف ابنتي الصيدلانية في إحدى المنشآت الخاصة.

كما وجه خالد عمران شكراً عبر تلفزيون الخبر للمهندس وائل الصالح و المهندس خضر الشلبي ورئيس مجلس محافظة حمص الدكتور سائر خضور والعميد حسن أحمد لوقوفهم إلى جانبه وتقديم المساعدات لمنزله.

أوقف الابن الاكبر لخالد عمران تسجيله في كلية الهندسة ليتمكن من العمل و إعالة الأسرة، خاصة أن الأب بحاجة إلى أدوية ومتابعة صحية والمنزل مستأجر بمبلغ 20 ألف ليرة شهرياً.

فيما أنهت ابنته دراسة الصيدلة وهي عاطلة عن العمل الآن، وماتزال ابنته الأخرى تدرس الهندسة وابنه الأصغر في المرحلة الابتدائية، ويتلقيان 30 ألف ليرة كراتب شهري (١٥ ألف لكل منهما) منذ ثلاثة شهور من عضو مجلس الشعب فراس السلوم الذي اطلع على وضعه بعد الإصابة.

يتمنى خالد عمران أن يأتي اليوم الذي يتمكن فيه من علاج عينه اليسرى خارج البلد، سيما أن المراسلات والنصائح الطبية أكدت أن العلاج ممكن في روسيا وايران ولبنان، وهو عاجز مادياً عن إتمام هذا النوع من العلاج المكلف.

يذكر أن البطل السوري خالد عمران من مواليد عام 1965 حائز على بطولة أندية القطر بالكارتيه عام 1988، وهو بطل الجمهورية بلعبة ” الكاتا ” للرجال 1992، و بطل العرب عام 1989 بالإضافة إلى عدة بطولات أخرى كان آخرها الحصول على بطاقة عجز 100%.

كما افتتح خالد عمران مراكز تدريبية كثيرة في حمص وعمل مدرباً فيها، أيضاً عمل مدرباً للطلاب في معسكرات المرحلة الثانوية، كما شهد آلاف الطلاب في حمص عبر عقدين من الزمن المدرب خالد عمران وهو يرفع العلم السوري على السارية في نهاية كل دورة تدريب “الصاعقة”، وهو ذات العلم الذي قاتل تحت رايته لسنوات.

محمد علي الضاهر – تلفزيون الخبر – حمص

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى