فلاش

الأول من نيسان .. بين “عيد آكيتو” و “كذبة نيسان”

يحتفل كل من الكلدانيين والآشوريين والسريان، الذين ما زالوا ينتشرون حتى الآن في منطقة شمال سوريا، بعيد الطبيعة أو مايعرف بإسم “إكيتو”، في الأول من نيسان من كل عام، وبحسب الاصطلاح اللغوي، يشير اسم “إكيتو”إلى موعد بذر وحصاد “الشعير”.

وتبين الشواهد الكتابية أن أول عيد للـ”إكيتو” بدأ على شكل عيد للحصاد الزراعي يقام مرتين في العام، الأول في شهر “نيسانو” الذي يقع بين شهري آذار ونيسان، ويقام لحصد الغلة الزراعية، والثاني في شهر “تشريتو” الذي يقع بين شهري أيلول وتشرين الأول، ويقام لحصاد الحنطة.

وتطور العيد من احتفال زراعي نصف سنوي إلى مناسبة سنوية بقدوم السنة الجديدة، حيث يحدث في تلك الفترة أن يكون الليل والنهار في حالة توازن تام مع بعضهما البعض، ويتم إعلان الاعتدال الربيعي بأول ظهور للقمر الجديد في نهاية شهر آذار أو بداية شهر نيسان.

وترتبط هذه المناسبة أيضاً عند العديد من تلك الحضارات بمناسبة دينية هامة ألا وهي انتصار الإله “مردوخ” على الآلهة “تيامات”، وكانت الاحتفالات تقام لاثني عشر يوماً يخصص الأربعة الأولى لممارسة الطقوس الدينية وقراءة قصة الخلق البابلية “اينوما ايليش”.

وكانت تتضمن الأيام المتبقية بعض المظاهر الاجتماعية والسياسية، إضافة إلى الاحتفالات والطقوس الدينية، حيث تقام احتفالات شعبية، حتى يومنا هذا، بحسب الطقوس والتقاليد الآشورية القديمة، مثل تقديم القرابين للآلهة والهدايا للملوك، وإقامة شعائر احتفالات زواج جماعي، ويتم عقد المهرجانات الفنية والتراثية، من غناء ورقص شعبي.

وظل التقويم السنوي الذي يعتمد على الأول من نيسان كبداية للسنة الجديدة، معتمداً في معظم بلدان العالم القديم إلى أن قام الملك الفرنسي لويس الرابع عشر باعتماد الأول من كانون الثاني كبداية للعام الجديد، وهو الحدث الذي ترجح بعض الآراء أنه أصل ما يعرف اليوم باسم “كذبة نيسان”.

وترى نظرية أخرى أن البابا غريغوري الثالث عشر عدل التقويم، بنهاية القرن السادس عشر، ليبدأ العام في 1 كانون الثاني، وهو التقويم المعمول به حالياً، وتبدأ احتفالات الأعياد من 25 كانون أول، وأطلق الناس على من ظلوا يحتفلون، حسب التقويم القديم، تعليقات ساخرة لأنهم يصدقون (كذبة نيسان).

وتحمل “قصص كانتربري” للكاتب جيفري شوسر، التي تعود للقرن الرابع عشر، حكايات عن “كذبة نيسان”، ما ينفي هذا الأصل “الغريغوري”.

أما الأصل الثاني لهذه “الكذبة” فربطه بعض الباحثين، مع عيد جميع القديسين، الذي نشأ في القرون الوسطى، وكان في هذه الفترة وقت الشفاعة للمجانين وضعاف العقول ‏فيطلق سراحهم في أول الشهر، ويصلي العقلاء من أجلهم وفي ذلك الحين نشأ العيد ‏المعروف باسم “عيد جميع المجانين” أسوة بالعيد المشهور باسم “عيد جميع القديسين”.

وانتشر التقليد على نطاق واسع في إنكلترا بحلول القرن السابع عشر الميلادي، ويطلق ‏على الضحية في فرنسا اسم “سمكة نيسان”، وترجع هذه التسمية بحسب مؤرخين إلى أن أنه عندما سقطت الأندلس خرج الصليبيون ونادوا للناس أنه من أراد النجاة بنفسه وأهله وماله فليذهب إلى الشاطئ، فإن سفناً كبيرة قدمت من المشرق لتأخذ من تبقى من العرب.

وصدق كثيرون ما قاله الصليبيون، وعندما ذهبوا إلى هناك كان الجيش الصليبي بانتطارهم حيث تم قتلهم جميعاً، وكان ذلك في الأول من نيسان، ومن هنا سميت هذه الخديعة بـ”سمكة نيسان” أو “poisson d’avril” لأنهم “كذبوا على العرب واصطادوهم كالسمك”.

ويرى آخرون أن هناك علاقة قوية بين الكذب في أول نيسان وبين عيد “هولي” المعروف في الهند ، الذي يحتفل به الهندوس في 31 آذار من كل عام، وفيه يقوم بعض ‏البسطاء بمهام كاذبة لمجرد اللهو والدعاية، ولا يكشف عن حقيقة أكاذيبهم هذه إلا مساء اليوم الأول من نيسان.

وفي الحقيقة، لم تكتسب كل تلك النظريات الدليل الأكيد لإثبات صحتها وسواء كانت ‏صحيحة أم غير صحيحة، فمن المؤكد أن قاعدة الكذب كانت ولا تزال أول نيسان، ويعلق ‏البعض على هذا بالقول أن شهر نيسان يقع في فصل الربيع، ومع الربيع يحلو للناس ‏المداعبة والمرح.

ويتهيأ الناس حول العالم في هذا اليوم لتداول الأكاذيب والمقالب فيما بينهم، والذي على الرغم أنه لا يعد يوماً وطنياً أو مُعترف به قانونياً كاحتفال رسمي، لكنه يوم اعتاد الناس فيه إطلاق النكات وخداع بعضهم البعض.

ويرى الكثيرون أن تسمية الأول من نيسان بـ”كذبة نيسان” ما هو إلا محاولة لطمس التاريخ السوري، حيث يعد “الأكيتو” أقدم عيد مسجل في الشرق الآدنى، طارحين سؤال “لماذا لا يتحول العيد إلى كرنفالات رسمية وشعبية كبيرة على غرار السنة الصينية مثلاً المعروفة في أنحاء العالم؟”.

 

حمزه العاتكي – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى