العناوين الرئيسيةكاسة شاي

“الأغباني” .. خيوطٌ مُحاكة على نُسُجٍ حريرية تروي حكاية حرفة دمشقية

الأغباني حرفةٌ دمشقيةُ الأصل، ويُعرف بأنه النسيج الأبيض الذي يُطرّز بالحرير الأصفر، وكان سابقاً يُصنَع من الحرير الطبيعي وفق زخارف متنوعة، أما اليوم فيُستعاض عن الحرير أحياناً بقماش الكتّان.

وتميز الحِرفيّ السوري الذي يعمل بطبع الأغباني منذ القدم بحسٍّ مُرهفٍ وخبرةٍ عريقةٍ متوارثة عبر الأجيال، ويعُد هذا النوع من النسيج، الذي طرّزت عليه الإبر الدمشقية آلاف الرسوم والأشكال، هدف الأغنياء والسائحين القادمين من كُلّ حدبٍ وصوب.

وكان الصنّاع الدمشقيون ينسجون القماش على الأنوال اليدوية على شكل أثواب يسمى الواحد منها “سلك أغباني”، وكانوا يجعلون فاصلاً كل 150سم وعرض هذا الفاصل 8سم.

وعندما ينتهي الثوب يقصّون هذه القطع، وترسل القطعة إلى الرسم، وتتألف الرسوم من أشكال نباتية وزخارف عربية، وتكثر الورود والأزهار والأغصان حيث تكون هذه الرسوم محفورة على قطع خشبية يدفع بها القماش المراد شغله بالأغباني.

وبعدها يشدون القطعة على (طارة) خشبية دائرية، وهنا يبدأ التطريز، وتقوم به النسوة في بيوتهن حيث يعمدن إلى شغل الرسوم بخيطان حريرية وإبر خاصة يمررنها من وجه القماش بالعكس بألوان عديدة، منها الذهبي والأخضر والأزرق والبيج والعسلي.

وكانت هذه المصنوعات تستعمل كعمائم وأغطية للرأس (كوفيّة) وزنانير وملفات للأولاد الرضع، وكان ثوب العروس ينسج عادة من الأغباني لاعتقادهم أنه يجلب الخير على قدوم سيدة المنزل.

ومنذ أكثر من خمسمئة عام كان حرفيو الأغباني في دمشق يطبعون النسيج على الحجر والرمل، ومع تطور الزمن أصبحوا يستخدمون النحاس على شكل قوالب وصولاً إلى قوالب الخشب.

ورغم أن حرفة الأغباني تطوّرت كثيراً في السنوات الأخيرة، وأصبحت تنتج بوساطة الحاسوب، وتعتمد على الآلات الحديثة ومصنفات الصور الجديدة (الكاتالوغات)، فإن هذا التطور لم يستطع أن يلغي دَوْر اليد العاملة أو التطريز اليدوي.

وذلك لأن القطع المُنتجة يدوياً تُعدّ متميزة في الدقة والجودة والإتقان، الأمر الذي يدفع الكثيرين إلى شراء النسيج الأغباني المُنتَج يدوياً، والأغباني اليدوي أي “شغل الإبرة” قريب من “الكانفا” الفلسطينية إلا أنه نافر أكثر.

يصنع الأغباني من الحرير الطبيعي والخيط المقصّب، وتتكون مواده من السُّدى المصنوع من الحرير الطبيعي، واللُّحمة وهي من الحرير والقصب، ويُحاك بطريقة النسيج إلى أن يصبح القماش من دون تطريز في البداية.

ثم تضاف الرسوم بنسج يدوي إضافي كتوشية دقيقة متداخلة ضمن خيوط السُّدى بطريقة الغل بحيث تبدو الرسوم بخيوط القصب والحرير الملون زاهية الألوان دقيقة الصنع، ولتكون المحصلة لوحة فائقة الجمال.

وتعتمد هذه الحرفة لتستكمل مقومات وجودها على عدة أنواع من الآلات والمُعدات، منها “الإصطمبا” و”الطاولة المستطيلة والفرشاة والطبق وقطعة من قماش الشاش الذي يُوضع فوق الطبق لامتصاص المادة الصباغية، وأخيراً القوالب الطباعية الأساسية، ولكلٍّ من هذه المعدات عمَلها الخاص.

وتُقسم قوالب الطباعة الأساسية إلى أشكالٍ ومُجسّماتٍ، وهي كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: “الحنامة” و”أخو الحجب” و”السلطعان” و”سقف المناعة” و”العريشة” و”الفلّة” و”دعسة الجمل” و”البقلاوة” و”عرق الورد” و”الفراشة” و”الشمعة” و”الأرزة”.

وبرع صنّاع الأغباني بإنتاج أنواع من النسيج خاص بكل منطقة ومن ذلك الأغباني الفلسطيني الذي تدخل فيه رسومات وزخارف متعددة تقوم على مبدأ وضع وجه القماش فوق القطعة لتبدأ عملية القطب مرّة من الأسفل ومرّة من الأعلى لتعطي شكلاً هندسياً معيّناً وتأخذ شكلاً نافراً، كما وجد الأغباني الحلبي والحمصي.

ومن أنواع الأغباني أيضاً ما يسمى “الصاية” الذي امتاز بنقوشه الزاهية وخيوطه الحريرية والقطنية، وانتشر كلباس شعبي ميز سكان وسط سوريا وشماليّها في حقبة ما.

إضافة إلى الأغباني اليبرودي الذي يستخدم خيط البريم (مزيج من الحرير المخمل)، تطريزه نافر، وينفذ وفق طلبيات خاصة، ويمثّل الأغباني اليبرودي دوراً اجتماعياً بارزاً في تجهيزات بدلات العرائس وهو من مستلزمات غرفة نوم العروس، ويُشغل في المنازل، وينمّ على ذوق رقيق، وقد يستغرق تجهيز القطعة منه أشهراً، ويمتاز بجودة عالية، إلا أن صناعته توقفت هذه الأيام.

وتستخدم رسمة «الصرما» لمفارش الطاولات والكنبات، وتعتمد على الخبرة رسماً وطبعاً وتطريزاً بالقصب النافر، ولإبريم القصب لونان دارجان (ذهبي وفضي)، والقماش دائماً “ساتان”، وتحول في هذه الأيام إلى مكنة آلية، ولأسباب تجارية أصبح الحاسوب (الكمبيوتر) من يرسم ويطرز ويطبع آلياً.

ومن باب الحداثة، دخل الأغباني مؤخراً برسومه وزخارفه في مجالات عدة واستخدامات متنوعة، كما أصبح يُصنَع أحياناً بحسب الطلب ووفق نماذج معيّنة، ويُسوّق محلياً وعربياً ودولياً، ويكثُر الطلب على الإنتاج اليدوي الذي يتميّز بالجودة والمهارة والإتقان، شأنه في ذلك شأن الدامسكو والبروكار.

يذكر أن عدد ورش هذه الصناعات الدمشقية العريقة تضاءل في السنوات الأخيرة لتصبح نادرة، هذا إن لم توشك على الزوال، وذلك بسبب الكلفة العالية لعملية التصنيع اليدوية وعدم قدرة غالبية الناس على شراء هذا النّوع من النسيج.

 

تلفزيون الخبر

 

لا يتوفر وصف للصورة.    لا يتوفر وصف للصورة.    لا يتوفر وصف للصورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى