محليات

اغتيل يراعاً .. كنفاني الأدب المقاوِم في ذكرى استشهاده

ربما لايتطلب الأمر الكثير من الاستهلال في حضرة اسم كاسم غسان كنفاني، كما لا يتطلب أيضاً تعريفات أكثر مما تعرفه كثير من الفئات سواء الأدبية والمطلعة أو الشعبية منها، فاليوم كما سابقاً كما في المستقبل، على سبيل الاستشراق، لايزال اسم غسان كنفاني كما كان يوم اغتالوه جسداً بينما ظل فكره نابضاً كما ساعته.

فعلى النطاق السوري مثلاً لايمكن محو “أرض البرتقال الحزين” للكنفاني البار لفلسطينه، والتي نشأ عليها جيل القصة القصيرة في منهاج تسعينيات القرن الماضي من حصيلة ما استجمع في عقول الأجيال السورية.

غسان كنفاني الذي اغتاله الاحتلال بتفجير سيارته أمام منزله في بيروت عام 1972، مع ابنة أخته لميس نجم، و كان حينها عضواً في المكتب السياسي للجبهة الشعبية، وواحداً من أبرز أدباء فلسطين والعرب في القرن الماضي.

حيث كانت فلسطين قبل ظهور غسان كنفاني، واضحة، كطبيعة كلّ الأشياء التي نراها بالعين المجرّدة، لكن مع ظهور الكاتب الشاب الذي أصدر مجموعته القصصية الأولى (موت سرير رقم 12)، في العام 1961، أصبحت فلسطين أوضح، وقصتها أقرب للعالم.

ولد الشهيد غسّان كنفاني عام 1936، وعاش ستةً وثلاثين عاماً، انتمى خلالها إلى حركة القوميين العرب، وشارك في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث كان عضواً في مكتبها السياسيّ، وناطقاً إعلامياً باسمها، وكان يتقن العديد من اللغات بينها الفرنسيّة والإنكليزيّة.

تزوّج غسّان من الدانماركيّة “آني هوفر”، التي تعرّف عليها حينما كان يُعرّفها عن فلسطين وقضيتها، عندما أتت إلى لُبنان لهذا الأمر، وقد مثلت دعماً رئيسياً له في حياته، كما كان هو في حياتها.

وكتب كنفاني خلال أعوامٍ قليلة عشرات القصص القصيرة، وأصدر عشرات الروايات، إضافةً لدراساتٍ سياسيّةٍ هامّة، وخلّد الرجل من بعده إرثاً أدبياً عظيماً، جعل منه واحداً من مؤسسي الأدب الفلسطيني الحديث، وواحداً من أعمدة “أدب المقاومة”.

شقّ غسّان طريقه بنفسه، بإبداعه الذي جعله مخلداً في ذاكرة الفلسطينيين بعد أكثر من أربعة عقودٍ من الزمن على رحيله، تمامًا كما شقّت أعماله الأولى طريقها بين آلافٍ من الأعمال الأدبية في الساحة العربية.

ونشر غسّان كنفاني عشرات الأعمال، كان أشهرها “عائد إلى حيفا”، و “رجالٌ في الشمس”، والتي مُثلت فيما بعد من خلال فيلم، ومثلت الأولى في أحد المسلسلات، إضافةً لـ “أم سعد”، و “أرض البرتقال الحزين”، والعديد من الأعمال.

وانتهت حياته قبل أن يُكمل ثلاثة روايات، هي “العاشق”، و “الأعمى والأطرش”، و “برقوق نيسان”، والتي نشرت بعد استشهاده ثلاثيّة غير مكتملة، معاً.

تنقّل غسان في أعوامٍ قليلة بين ميلاده في عكا وحياته ودراسته في يافا، حتى معاناته الطويلة ككلّ اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة، بين الكويت وبيروت ودمشق، والعراق.

وشهدت حياته عدة تنقلات ما بين تدريس التربية الفنية في مدارس اللاجئين، والعمل الصحفيّ والسياسيّ، حيث عمل ما بين مجلة الحريّة، وجريدة المحرّر، وجريدة الأنوار، ومجلة الرأي، رئيساً لتحرير أحدها حيناً، ومحرراً وكاتباً في أحيان أخرى.

وفيما بعد قرّر كنفاني أن يستغني عن عمله المستقرّ، وأن يؤسس مجلة “الهدف”، ليكون رئيساً لتحريرها، ولتصدر عن الجبهة الشعبية فيما بعد بشكلٍ رسميّ، والتي امتدت حتى يومنا هذا.

وعرفته الجماهير صحفياً تقدمياً جريئاً، حتى أنه دخل السجن نتيجة جرأته في غمرة الدفاع عن القضايا الوطنية أكثر من مرة.

وشكّل غسّان كنفاني واحداً من أعمدة “أدب المقاومة” الذي ظهر من فلسطين المحتلة، في ظلّ الاحتلال ومجازره المستمرّة فيها، حيث عرّف غسّان كنفاني العالم على شعراء فلسطين.

ونشر غسّان في العام 1965 كتابه الهامّ، (أدب المقاومة في فلسطين المحتلة)، وهو عبارة عن دراسة أدبيّة مميّزة، كانت مقدمة للعالم تبيّن لهم أنّ في فلسطين شعراء وأدباء متميّزين.

وفي أحد الأعوام، زار الشهيد غسّان كنفاني مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ومن بينها عين الحلوة، وشاهد رسوماتٍ على الجدران فيها، وتعرّف على شاب صغير يسمى “ناجي العلي”.

وقرّر وقتها أن يأخذ رسوماته، لينشرها في مجلة “الحرية”، التي أعاد غسّان نشرها من بيروت، بعد عودته من الكويت، ذلك الوقت، ومن هنا كانت انطلاقة الفنان ناجي العلي الذي عبّر بريشته عن القضايا الفلسطينيّة والعربيّة، كما عبّرت قصص وأدب غسّان كنفاني عنها.

وفي الحديث عن اغتيال غسان كنفاني، تقول الروايات: إن السبب المباشر له أنه “بعد عملية “ميونخ” التي نفذتها منظمة “أيلول الأسود” نجا من الفدائيين ثلاثة، فقامت “إسرائيل” بعملية استطاعت بها اغتيال الثلاث فدائيين الناجين”.

وردت الجبهة الشعبية بطريقة قوية، وفي تاريخ ٣٠ أيار ١٩٧٢، قام وديع حداد بالتخطيط لعملية مطار اللّد بالتعاون مع عناصر من الجيش الأحمر الياباني، وفي صباح اليوم التالي ٣١ أيار اقتحم ثلاثة مقاتلين من الجبهة الشعبية مطار اللد.

وقاموا بإلقاء خمسة قنابل يدوية وإطلاق نار على ثلاث طائرات إسرائيلية” ما أدى إلى مقتل 40 “إسرائيلي” و جرح 90 وكان من بين القتلى “الإسرائيليين” العالم في السلاح البيولوجي “أهارون كاتسير” الذي كان مرشحاً لرئاسة الكيان الصهيوني آنذاك.

وبعد ذلك خرج المقاتلون من المطار وبالقرب من سجن الرملة اشتبك المقاتلون مع دورية شرطة “إسرائيلية” حيث أسفر الاشتباك عن أصابة 5 من أفراد الدورية “الإسرائيلية”، أما المقاتليين قتل منهم 2 وتم أسر المقاتل الثالث.

وخرج بعدها غسّان كنفاني بصفته الناطق الإعلامي باسم الجبهة الشعبية آنذاك بمؤتمر صحفي أعلن فيه عن تبني الجبهة الشعبية للعملية، فقررت “إسرائيل” الرد على العملية، فكان الرد باغتيال شخصية كبيرة في الجبهة الشعبية مقارنة باغتيال عالم في السلاح البيولوجي “الاسرائيلي”،

وجاء الرد في ٨ تموز لنفس ١٩٧٢ فقامت “إسرائيل” عن طريق عملاء من الموساد “الإسرائيلي” بزرع عبوات ناسفة في سيارة غسّان كنفاني في بيروت وتفجيرها، أدت إلى استشهاد غسّان مع ابنة أخته لميس في انفجار هزّ بيروت.

وتناثرت حمم البركان الكنفاني مع ابنة أخته الصغيرة لميس نجم (19 عاماً)، وهي التي كانت أقرب إلى قلبه، حيث كان يكتب لها القصص ويُهديها إيّاها في مناسباتها الجميلة، وكان منها (القنديل الصغير).

كتب غسان كنفاني بدمه لفلسطين، وترك خلفه أملاً برجالٍ أرادهم أن يكونوا عظماء فوق الأرض أو عظاماً تحتها، وأن لايرتدوا حتى يزرعوا فيها جنتهم .. فهل من مجيب ؟

روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى