كاسة شاي

“أنا أتمرد إذا أنا موجود” .. ألبير كامو في ذكرى وفاته

لم يكن “موتا سعيدا” ذاك الذي قدم ظهر شتاء الرابع من كانون الثاني عام 1961 بعبثية ساخرة، ليجعل سيارة تنحرف عن الطريق بمدينة فيليبليفين الفرنسية وترتطم بشجرة بطم، فتتهشم ويقتل داخلها الكاتب العالمي “ألبير كامو”، عن عمر يناهز السابعة وأربعين عاماً.

ولد الفليسوف الوجودي والكاتب المسرحي والروائي الفرنسي، وصاحب مقولة “أنا أتمرّد إذن أنا موجَودُ”، ألبير كامو، في 7 تشرين الثاني 1913 بقرية موندو في من أعمال قسنطينة بالجزائر، لأب فرنسي وأم إسبانية.

ويقول الكاتب علاء الدين العالم، في مقال له نشره موقع “عرب”، إنه “على خلاف معاصريه من الأدباء الفرنسيين، لم يكن ألبير كامو من خريجي جامعات باريس، فقد كانت خلفيته غير ثقافية ولم يكن في منزله كتاب أو مجلة”.

وكانت جدة كامو لأمه قابضة بقبضة من حديد على المنزل، ومصرة على أن كامو وشقيقه عليهما أداء الحد الأدنى من واجباتهما المدرسية ثم الذهاب إلى العمل خارج المنزل.

تعلم كامو بجامعة الجزائر، وشرع في كتابة أهم أعماله فيها، وأصدر مع رفاقه في خلية الكفاح للمقاومة ضد الاحتلال النازي نشرة باسمها تحولت بعد تحرير باريس إلى صحيفة “الكفاح” اليومية، كما استقال من منصبه في منظمة “اليونسكو” عام 1952 احتجاجا على قبول الأمم المتحدة عضوية اسبانيا، وهي تحت حكم الجنرال فرانكو.

وصل كامو إلى باريس في العام 1940 والنازيون على أبوابها، وحال الجيش الفرنسي يرثى له، “ماتت باريس! الخطر يحدق بكل مكان، لقد تم إيقافي مرارا وسؤالي عن هويتي .. جو ساحر”، بهذه الكلمات يصف كامو لقاءه الأول مع باريس.

عندما غزا النازيون الجنوب الفرنسي في عام 1943، وسيطروا على ما يسمى بـ “المنطقة الحرة” وصف كامو غزوهم بأنه “أشبه ما يكون بغزو الفئران”، سيأخذ هذا الغزو كامو ليكتب روايته “الطاعون” التي تشكل فيها الفئران الصورة الرئيسية.

ورغم أن كامو أعلن ولاءه لفرنسيته، لكنه لم يخفِ الجزء الجزائري في هويته، بل إنّه في خضم الثورة الجزائرية، أعلن أمام الأكاديمية السويدية وملك السويد نفسه، أثناء تسلّمه جائزة نوبل للآداب عام 1957، أنّ أكثر ما يُميّزه هو أنه “فرنسيّ من الجزائر”.

ودعم كامو بعض المناضلين الجزائريين الذين حاكمهم المحتل الفرنسي على أساس أنّهم من “المخربين والإرهابيين”، ولكن كامو وقف في المنتصف بين المحتل الفرنسي والثورة الجزائرية، ورفع دوماً شعار الأخلاق ضدّ العنف، مواقفه هذه هي ما جعلته خائنًا في نظر الطرفين.

كان كامو روائياً وكاتباً مسرحياً في المقام الأول، كما كان فيلسوفاً، وكانت مسرحياته ورواياته عرضاً أميناً لفلسفته في الوجود والحب والموت والثورة، والمقاومة والحرية، وكانت فلسفته تعايش عصرها، وأهلته لجائزة نوبل فكان ثاني أصغر من نالها من الأدباء.

وعرض فلسفته على كتابين هما “أسطورة سيزيف” عام 1942، و”المتمرد” عام 1951 أو فكرتين رئيسيتين هما العبثية والتمرد.

واتخذ كامو من أسطورة سيزيف رمزًا لوضع الإنسان في الوجود، وسيزيف هو هذا الفتى الإغريقي الأسطوري الذي قدّر عليه أن يصعد بصخرة إلى قمة جبل، ولكنها ما تلبث أن تسقط متدحرجة إلى السفح، فيضطر إلى إصعادها من جديد وهكذا رأى كامو فيه الإنسان الذي قدر عليه الشقاء بلا جدوى.

وقال الدكتور زكريا عناني، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإسكندرية، إن “كامو واحد من أبرز الأدباء والنقاد بين الحربين العالميتين الأولي والثانية، بل يمكن القول أن الحرب أثرت في أدبه تأثيرا عميقا هو وبقية الوجوديين مثل سارتر وسيمون دي بوفوار”.

وتمثل التأثر بالحربين، بحسب عناني، في “تزعزع القيم الإنسانية وفقدان الثقة في المطلقات التي كانت شائعة قبل الحربين، بل وفي القيم والمعتقدات والماركسية ذاتها، ورأوا أن الواقع الذي تم تقديمه هو واقع مزيف”.

من روايات كامو الشهيرة أيضا “الغريب” التي نال عليها نوبل عام 1957، و”السقوط” و ” الموت السعيد” و”الطاعون” ومن مسرحياته “سوء تفاهم”، و”كاليغولا” التي تروي قصة ملك طغى لما رآه من لا جدوى الحياة وعبثيتها.

كامو قرأ المستقبل في العالم، ورأى العبث في نصف الكرة الجنوبي قبل أن يقع، فهو ابن الشمال والجنوب معا، رصد الانسان الغريب في عالم اللاجدوى، حين يصبح الطاعون فكرياً ودينياً وسياسياً واقتصادياً وبأشكال لا حصر لها ولا عد.

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى