كاسة شاي

أمام البنفسج والبندقية وفي آذار .. ميلاد أرضٍ شاعرها محمود درويش

“في شهر آذارَ، في سَنَة الانتفاضة، قالتْ لنا الأرضُ أسرارَها الدمويَّةَ.. في شهر آذارَ مَرّتْ أمام البنفسج والبندقيّة خمس بناتٍ. وقَفْنَ على باب مدرسة ابتدائية.. واشتعلن مع الورد والزعترِ البلديّ.. افتتحنَ نشيد التراب.. آذارُ يأتي إلى الأرض من باطن الأرض من رقصة الفتيات.. البنفسجُ مال قليلاً
ليعبر صوتُ البنات.. العصافيرُ مَدّتْ مناقيرها في اتّجاه النشيد وقلبي.. أنا الأرضُ.. والأرضُ أنتِ”.

وفي شهر آذار أنجبت الأرض درويشها الفلسطيني العربي المقاوم لينثر بنفسجه شعراً ثوريا عربيا خالصاً صنفه على أنه أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب والعالميين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، حيث شهدت قرية البروة الفلسطينية المحتلة في العام 1942 أولى صرخات الشاعر الثائر المدوية بعد ولادته حينها.

بدأ محمود درويش الشعر في سن صغيرة فكانت أول قصائده وهو في المرحلة الابتدائية، وفي تلك الفترة في الوطن اتسم شعره بالتكون وبداية وعيه بقضية وطنه وانتمائه له تحت قبضة الاحتلال، واتسم عندها بالماركسية ومال للتيار الرومانسي في الشعر العربي المعاصر.

وكان نصه الشعري مباشراً، حتى خرج ليعيش في القاهرة ومن ثم بيروت فبدأ شعره في أخذ طابع الثورية والاهتمام بالقومية العربية، ورويداً رويداً تطور أسلوبه فأخذ يستخدم دلالات شعرية أكثر واستخدم التاريخ والدين والأسطورة والأدب والحضارة أكثر من قبل بكثير.

وسجل درويش علامة فارقة في تطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه كما ارتبط اسم درويش بشعر الثورة والوطن، ففي شعر درويش يمتزج الحب بالوطن بالحبيبة الأنثى، وهو من قام بكتابة وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني التي تم إعلانها في الجزائر.

بعد إنهائه تعليمه الثانوي في مدرسة بني الثانوية في كفريا انتسب إلى الحزب الشيوعي “الإسرائيلي” وعمل في صحافة الحزب مثل الاتحاد والجديد التي أصبح في ما بعد مشرفاً على تحريرها، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر التي كان يصدرها.

اُعتُقِل محمود درويش من قبل السلطات “الإسرائيلية” مراراً بدءاً من العام 1961 بتهم تتعلق بتصريحاته ونشاطه السياسي وذلك حتى عام 1972، كما فُرضت عليه الإقامة الجبرية حتى عام 1970.

وانتقل بعدها لاجئاً إلى القاهرة في ذات العام حيث التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، علماً أنه استقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجاً على اتفاقية أوسلو، كما أسس مجلة الكرمل الثقافية.

وشغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وحرر مجلة الكرمل، وكانت إقامته في باريس قبل عودته إلى وطنه حيث أنه دخل إلى فلسطين بتصريح لزيارة أمه، وفي فترة وجوده هناك قدم أعضاء الكنيست “الإسرائيلي” العرب واليهود اقتراح بالسماح له بالبقاء وقد سمح له بذلك.

في الفترة الممتدة من سنة 1973 إلى سنة 1982 عاش في بيروت وعمل رئيساً لتحرير مجلة شؤون فلسطينية، وأصبح مديراً لمركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية قبل أن يؤسس مجلة الكرمل سنة 1981.

وبحلول سنة 1977 بيع من دواوينه العربية أكثر من مليون نسخة، لكن الحرب الأهلية اللبنانية التي كانت مندلعة بين سنة 1975 وسنة 1991 فترك بيروت سنة 1982 بعد أن غزا الجيش “الإسرائيلي” لبنان وحاصر العاصمة بيروت لشهرين وطرد منظمة التحرير الفلسطينية منها، وأصبح درويش بعد ذلك منفياً تائهاً، منتقلاً بين سوريا وقبرص والقاهرة وتونس إلى باريس.

ولمحمود درويش أكثر من 30 ديوان شعر ونثر و8 كتب، وتميز شعره بالوطنية حتى لقبوه بشاعر فلسطين وفي الوقت نفسه بالرومانسية والحنين الدائمين والحب، سواء كان حب الوطن أم غيره.

وحصد درويش بشعره الكثير من الجوائز مثل جائزة البحر المتوسط 1980 ودرع الثورة الفلسطينية 1981 ولوحة أوروبا للشعر 1981 وجائزة الآداب من وزارة الثقافة الفرنسية 1997 وغيرها الكثير.

وعاد درويش إلى معشوقته فلسطين ليقيم في رام الله، إلى أن توفِّي في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن سافر إليها لإجراء عملية جراحية في القلب، ودفن في قصر رام الله الثقافي في 13 آب 2008.

رحل درويش مسجلاً “عربيته” في رأس الصفحة الأولى، مسجلاً صلابته وحبه وحربه، موثقاً لهويته وهوية شعبٍ جبار لازالت أجياله تتخذ من درويش عرابها في وسم المقاومة كما يجب أن تكون.

روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى