العناوين الرئيسيةفلاش

الدواء المقطوع وارتفاع الأسعار .. حرب تجّار جديدة على السوريين بلا “لحى سوداء”

دخل السوريون، منذ أشهر قليلة فائتة، معركة جديدة من نوع آخر، استهدفت حياتهم، وإن كانت اللحى الطويلة المتعفنة ليست طرفاً فيها، إلا أن النتيجة واحدة.

الدواء المقطوع صار سلاحاً أشهر بوجه السوري، بعد أن حفظ جميع أنواع الأسلحة، ولكن هذه المرة، من قبل جهات من المفترض أن تكون “وطنية” بعد أن أثرت على حساب المواطن على مدى سنين كثيرة.

أرادت هذه الجهات لي ذراع الحكومة، غير آبهة بحياة الآلاف من “المعترين” من المرضى، فكان لها ما أرادت، ولم تقم حتى بما عليها بعد أن أخذت ما أخذت من خيرات البلاد على مدى سنين، لتلتف تارة على إجراءات وقرارات وزارة الصحة، وتحاول افراغ جهودها من محتواها تارة اخرى.

الأدوية التي لابديل لها، والتي تعالج أمراضاً مزمنة كالقلب والسكري والضغط، اختفت بالتزامن مع التفاوت الكبير في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، ودخول ما يسمى “قانون قيصر” حيز التنفيذ، قبل فترة.

ورغم حدوث انفراج طفيف، إثر رفع أسعار بعض الأصناف، لاتزال أصناف كثيرة هامة في عداد المفقودة، ويحتاج السوري المنهك إلى بضع ساعات يقضيها باحثاً عن علبة دواء معينة بين الصيدليات وأحياناً دون جدوى، واضعاً الدواء والغذاء في كفتي ميزان مصروفه الذي ابتعد كثيراً عن دخله المتواضع.

رحلة البحث عن المسؤول..

في رحلة البحث عن المسؤول عن شح بعض الأدوية التي كانت مفقودة منذ عدة أشهر، والتي بدأت من الصيدليات مروراً بالمستودعات والشركات والمعامل المصنّعة للدواء، لم يكن مفاجئاً أن يلقي كل طرف المسؤولية على الجهات الأخرى، وصولاً إلى وزارة الصحة.

معظم الصيادلة الذين التقاهم تلفزيون الخبر، أكدّوا أن “الأدوية المقطوعة بدأت تظهر في المستودعات ولكن بكمية خجولة جداً، عارضين فواتيرهم التي تبّين أن المستودعات تقوم بتوزيع حصص لا تتجاوز القطعة والقطعتين من بعض الأصناف الهامة، وذلك تحت ذرائع مختلفة”.

ويبدو أن التقنين في كميات الأصناف الهامة والتي لابديل لها، نوع من الضغط التذي تمارسه شركات ومعامل الأدوية على وزارة الصحة، لرفع أسعارها بالشكل الذي تراه هذه الشركات مناسباً.

فتسعير الدواء وفق سعر الصرف الرسمي الذي حدده المصرف المركزي، سبب لهذه المعامل التي تستورد المواد الأولية بمعظمها وفق سعر الصرف الموزاي، خسائر كبيرة،كما تزعم طبعاً، وجاءت أزمة كورونا التي أدت إلى توقف استيراد بعض المواد الأولية من الصين، وارتفاع تكلفة الشحن، وهو ما أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم.

الصيادلة: الحلقة الأضعف

وفي قصة الدواء المفقود يبدو الصيادلة الحلقة الأضعف، فهم يبيعون ما يصلهم، وتؤكد إحدى الصيدلانيات لتلفزيون الخبر أن المشكلة التي بدأت بالظهور والتفاقم منذ نيسان الماضي، وضعتهم في موقف لا يحسدون عليه، فهم في النهاية يقفون وجهاً لوجه مع صاحب الحاجة، المريض، أو ذويه، وبالطبع فإن الكميات التي ترفدهم بها المستودعات غير كافية على الإطلاق.

وتابعت الصيدلانية “معظم الأدوية المقطوعة هي أدوية للسكري والضغط وأمراض القلب، والتي لا يمكن الاستغناء عنها، وبالطبع فإن علبة واحدة لاتكفي، يمكن القول أن الأمور تحسنت لكنها لازالت بعيدة عن المقبول”.

بالمثل، قام تلفزيون الخبر بالتواصل مع عدد من المستودعات في أكثر من محافظة، الحجج متشابهة أيضاً، ومحاولات التهرب وإلقاء المسؤولية على الشركات والمعامل، ومحاولة الدفاع عن هذه المعامل في أحيان أخرى، كانت العامل المشترك في معظم الإجابات حول الدواء المقطوع.

ويقول أحد المسؤولين في مستودع أدوية معروف في دمشق لتلفزيون الخبر: “زيادة أسعار الأصناف الدوائية يتم ببطء، وهذا يؤثر بدوره على ما يصلنا من المعامل التي لاترى الأسعار مناسبة”.

ويتابع “نحن مضطرون لتقنين الكميات وتوزيعها بهذا الشكل، لأن ما نستطيع شراءه من المعامل أصبح أقل أيضاً، فالمبالغ التي كانت تشتري لنا 100 قطعة من دواء ما، اليوم لا تشتري سوى 20، وفي ظل هذا الواقع لا تستطيع معظم المستودعات تلبية ما يطلبه الصيدلي من كميات”.

رفع تدريجي ..

ومع استمرار قيام وزارة الصحة برفع أسعار أصناف الأدوية على مراحل، بغية حل المشكلة، أكدّ قائمون على مستودعات أخرى، حدوث بعض الانفراج بكميات الأدوية التي تصلهم من المعامل، بنسبة بلغت “50 بالمئة” حتى مطلع الأسبوع الحالي.

وأظهرت صورة تداولها ناشطون عن نشرة أسعار لـ”تاميكو” تظهر وصول الأسعار إلى حد غير مقبول، فبعض المضادات الحيوية الروتينية وصل سعرها إلى خمسة الاف وكسور( انظر الصورة المرفقة”.

وأشار الصيادلة بدورهم إلى “تحسن طفيف وتدريجي بالتالي لما يصلهم من كميات هذه الأدوية، يوماً بعد يوم، مبدين تفاؤلهم بحدوث انفراج كامل بعد فترة، لم يستطع أحد منهم تحديدها على وجه الدقة”.

شركات الأدوية: حرب ع المخفي

وحاول تلفزيون الخبر التواصل مع عدد من الشركات المصنّعة للأدوية، لكن الجميع تهرّب من الإجابة، بحجج وذرائع مختلفة، فلم نستطيع استييان حقيقة ما يحدث، ولماذا لم يشهد سوق الدواء انفراجاً حقيقياً رغم قيام وزارة الصحة برفع سعر الأدوية مؤخراً.

وبلغ عدد معامل الدواء في سوريا مطلع عام 2011 نحو 70 معملاً، وكانت منتجاتها تغطي ما نسبته 93% من احتياجات السوق المحلية، البالغ حجمها آنذاك وفق تقديرات رسمية نحو 400 مليون دولار، تتوزع على 350 مليون دولار إنتاج محلي، وما بين 40-50 مليون دولار مستوردات خارجية، هي غالباً عبارة عن أدوية سرطانية ولقاحات وغير ذلك من الأدوية غير المنتجة محلياً.

وتسببت الحرب بخروج أكثر من 19 معملاً عن الخدمة سرعان ما عاد معظمها تدريجيا للعمل مع استقرار الأوضاع الأمنية.

كما ساعد الاستقرار، والمرابح الكبيرة، على تشجيع مستثمرين آخرين للحصول على تراخيص إنشاء معامل جديدة خلال العامين الأخيرين، ليصل إجمالي عدد المعامل المرخصة مع نهاية العام 2019 لنحو 92 معملاً ، إلا أنه عملياً ليس هناك سوى عدد قليل من المعامل تعمل بطاقتها الإنتاجية الكاملة بفعل إفرازات الحرب والعقوبات.

ومن جهة ثانية، فإن العقوبات الاقتصادية، التي فرضت بشكل تدريجي على البلاد منذ منتصف العام 2011، تركت هي الأخرى تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على هذه الصناعة لجهة الأصناف المنتجة ومصادر موادها الأولية وأسعارها.

مرسوم للعلاج ..

وفي إطار دعم الشركات والمعامل وتشجيعها على زيادة الانتاج، صدر الاثنين 13 تموز الحالي، مرسوم تشريعي قضى بإعفاء مستلزمات الانتاج والمواد الأولية الداخلة بصناعة الأدوية البشرية من الرسوم الجمركية المحددة في جدول التعرفة الجمركية، ومن كافة الضرائب و الرسوم الأخرى المفروضة على الاستيراد، وذلك لمدة عام واحد اعتبارا من بداية الشهر المقبل.

وقالت صحيفة “البعث” الناطقة باسم حزب البعث العربي الاشتراكي في مادة حملت عنوان “الأدوية تحلّق بأسعارها والشركات تضرب بحاجة المواطن عرض الحائط” إن: “شركات الأدوية الوطنية “يبدو” أنها لم تتأثر كثيراً بالمرسوم التشريعي القاضي بإعفاء مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية التي تدخل بصناعة الأدوية البشرية من الرسوم الجمركية”.

ووسط كل هذه الفوضى وعدم الوضوح في أفق أزمة الدواء، ينتظر السوريون الذين قاموا بعدة مبادرات شعبية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي لتأمين بعض الأصناف المفقودة، أن تتخذ الحكومة السورية إجراء حاسماً يمنع الشركات من التلاعب بمصيرهم، وينقذ هذا القطاع الذي فقد جانبه الانساني ليصبح تجارة بحتة، لكن هذه المرة بأرواح الناس.

رنا سليمان – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى