العناوين الرئيسيةموجوعين

أطباء مشفى حكومي خطفوا روح “زكية” بخطأ طبي جسيم سببه الإهمال 

من المؤسف جداً أن تصل المشافي الحكومية إلى ما وصل إليه مستشفى تعليمي، وبحثي علمي، وأكاديمي كمشفى الأسد الجامعي بدمشق، الذي كان في وقت ما نموذجاً للعمل الطبي ويضاهي المشافي الإقليمية وحتى الأوربية بما يقدمه من خدمات إسعافيه وعلاجية وأبحاث علمية.

أخطاء طبية جسيمة تكسر الخواطر لا تشفى فيها الروح بالاعتذار،وتقصير وإهمال لا يغتفر، وجراح لا تشفيها الأيام، ولا يستهان بكوارث أخطاءكم الطبية الجسيمة فالبحر لا يحمل السفينة إن ثقبت .

ولعل مغادرة السيدة (زكية جبر) آل حرفوش الحياة، كانت البداية لاكتشاف بعض خفايا الأمور وتفاصيل ما يجري داخل مشفى “الأسد الجامعي”باسمه الكبير من إهمال وتقصير وغياب للمسؤولين والاختصاصيين وترك أرواح الأبرياء بأيدي غيرٍ أمينة.

وكشفت التحقيقات التي أجريت للبحث عن سبب وفاة السيدة (زكية جبر) أنّ وفاتها كانت ناتجة عن خطأ طبي جسيم ووجود إهمال في الإشراف الطبي في الشعبة الداخلية الهضمية ومخالف لأسس العمل الطبي في مشفى جامعي .

 

دخول “زكية جبر” المستشفى

تبدأ قصة المتوفاة “زكية جبر” منذ دخولها مشفى الأسد الجامعي، حيث روى أهل الفقيدة لتلفزيون الخبر، أنه وفي “تمام الساعة السابعة من صباح الثلاثاء 8 حزيران 2021 أدخلنا والدتنا قسم الإسعاف في مشفى الأسد الجامعي بغرض إجراء بعض الفحوصات للاطمئنان عنها وذلك على خلفية هبوط ضغط حصل معها قبل يوم والذي عاد بشكل طبيعي تماماً”.

وبيّن الأهل أن “المسؤولين في قسم الإسعاف بمشفى الأسد الجامعي لم يقوموا بإجراء أي تحاليل جديدة لوالدتهم، سوى طلب زرع بول، واعتمدوا على نتائج تحاليل مسبقة تفيد بوجود التهابات وإنتان بولي، وأنهم سيقومون بتخريجها وإعطائها راشيتة دواء أو السعي لتأمين قبولها في شعبة الداخلية الهضمية ريثما تصدر نتائج زرع البول” وتحديد الدواء اللازم لهذا الأمر.

وأوضح الأهل أن قسم الإسعاف “قاموا بإجراء استشارة صدرية للمريضة، وتبين أنه لا مانع من قبولها من الناحية الصدرية”، حيث تم قبول إدخالها بعد جهدٍ جهيد إلى شعبة الداخلية الهضمية في الساعة الثانية ظهراً بنفس اليوم ، بسبب تعقيدات تعليمات الإدارة والإجراءات الروتينية”

وأشار الأهل إلى أن “والدتهم تُركت على سريرها من الساعة الثانية ظهراً وحتى الثامنة مساءً ولم ترى أي أحد من الكادر الطبي في الشعبة المذكورة ، ولم يتم إعطائها أي دواء أو أجراء أي فحوصات وسط غياب واضح للأطباء المختصين داخل الشعبة الداخلية الهضمية باستثناء بعض طلبة الدراسات العليا وبعض الممرضات”.

 

ثلاث أبر “روس” متتالية أدت للوفاة!

وبيّن الأهل أنه “وبعد ساعات طويلة، تم اعتماد خطة العلاج من قبل الدكتورة المقيمة (م) والمتضمن استخدام دواء ( ROSS + سيبروفلوكساسين) دون إجراء تحاليل جديدة أو إجراء أي اختبار للحساسية لدى المريضة من قبل الكادر الطبي”.

وقال الأهل: “في حوالي الساعة الثامنة والنصف مساءً من يوم الثلاثاء الواقع في 8 حزيران قامت إحدى الممرضات بحقن والدتهم إبرة (روس) بالوريد دفعة واحدة ، وعلى أثرها أصيبت والدتهم بتحسس وطفح جلدي مع حكة وضيق تنفس وأوجاع مؤلمة”.

وأردف الأهل: “على الفور تم إعلام الكادر الطبي بما حصل، وطُلب من الأهل تأمين دواء إسعافي مضاد للحساسية (هيدروكورتيزون) من خارج المشفى بوصفة طبية صادرة عن المشفى بحجة وإدعاء عدم توفرها داخل الشعبة وفي صيدلية المشفى!، حيث تبين أن سبب الحساسية ناتج عن إعطائها أبره “روس” نتيجة الإهمال وعدم إجراء اختبار حساسية مسبق للوالدة”.

وروى الأهل أنه “وبعد تأمين أبرة مضادة للحساسية (استعارة من احد مرافقي المرضى في الشعبة بمساعدة إحدى الممرضات)، تم حقن والدتهم بها وعاد وضعها إلى التحسن وأصبح طبيعياً باستثناء وجود احمرار بسيط على الوجه، وتم تأمين ثلاث إبر(هيدروكورتيزون) من خارج المشفى وميزان حرارة أيضاً بناءً على طلب كادر التمريض. وأعيدت إحدى الإبر لمرافق أحد المرضى ، وإبرة ثانية تركت احتياط للكادر الطبي ، والإبرة الثالثة احتياط لوالدتهم “!

وقال الأهل: “في صباح يوم الاربعاء الواقع في 9 حزيران كان وضع والدتهم مستقراً وممتازاً وطلبت منهم والدتهم إخراجها من المشفى نتيجة الألم الذي شعرت به بسبب إبرة (الروس) المعطاة لها في مساء اليوم السابق ، وإلى الوضع السيء داخل الشعبة المذكورة والإهمال وعدم وجود اختصاصيين من الكادر الطبي المعني في الشعبة المذكورة.

وأردف الأهل: “بعد خروجهم من زيارة والدتهم بالمشفى بعد الساعة التاسعة صباحاً ، قامت إحدى الممرضات بحقن والدتهم إبرة «روس» مرة ثانية (دفعة واحدة في الوريد)، رغم تحسسها من هذه الإبرة في مساء اليوم السابق، وبعد دقائق قامت ممرضة أخرى بإعطاءها إبرة «روس» للمرة الثالثة” بحجة عدم معرفتها بأن زميلتها قد أعطت والدتهم إبرة قبل دقائق وبالرغم من تحذير وتنبيه إبنة المريضة ( المرافقة لها ) للممرضة الأولى وإعلامها عدم إعطائها إبرة ( الروس ) التي تحسست منها مساء البارحة ، مما أدى ذلك إلى حدوث انتكاسات أدخلت والدتهم على أثرها بغيبوبة وزرقة في الوجه والقدمين وتوقف القلب والتنفس بشكل فجائي الساعة 11:20 صباحاً .

وأردف الأهل، “حضر كادر طبي كبير من العناية المشددة والشعبة وغيرها إلى غرفة والدتهم رقم /211/ وتم إنعاشها قلبياً، وتم إدخالها للعناية المشددة في الطابق الثاني ، وقام الأهل بتأمين الدواء للعناية من خارج المستشفى من إحدى الصيدليات التي أصرت على الاحتفاظ بالوصفة ولم تسلم لأهل المريضة وتتضمن أدوية:هيدرو كورتيزون عدد /3/ ودورميتا عيار /5/ عدد /2/ ومغنزيوم كما طلب من الأهل بوصفة طبية أيضاً إحضار دواء Targo من خارج المشفى. (وهي أدوية ذات أسعار مرتفعة ، ومرهون وجودها بصيدليات محددة) .

وقال الأهل: “بعد إنعاش والدتهم في قسم العناية عاد قلبها لينبض من جديد مع بقاء التنفس الاصطناعي، دون علمهم للضرر الذي حدث للدماغ نتيجة توقف القلب الناتج عن حقن إبر الروس”.

مبينين أنه “وفي حدود الساعة الثانية عشر والنصف من صباح يوم الأربعاء الواقع في 9 حزيران 2021، توفيت والدتهم نتيجة هذا الخطأ الطبي الجسيم .

وأردف الأهل: ” أن الخطأ الطبي الذي حصل مع والدتهم لا يمكن تحمله أو قبوله أو تبريره تحت أي بند في هكذا مشفى، وأن هذا الإهمال لا يختلف عن القتل العمد”.

 

إضبارة المريضة كشاهد

حصل تلفزيون الخبر على بعض الوثائق الطبية الموجودة في إضبارة المريضة داخل المشفى حيث أفاد تقرير الدكتور محمد الشيخ علي ( مقيم داخلية عامة – سنة ثانية ) بحدوث تحسس دوائي وخفقان وطفح جلدي لوالدتهم بعد إعطائها إبرة (الروس) الأولى في تمام الساعة التاسعة من مساء يوم 8/6/2021 ، وتم إعطاء والدتهم مضاد حساسية (هيدرو كورتيزون) إضافةً (للباراسيتامول) وعودة استقرار حيويات الوالدة بعد ذلك .

وأضاف تقرير الدكتورة إسراء ج المقيمة في شعبة الداخلية الهضمية بالمشفى – سنة ثالثة الذي يفيد بتوقف القلب والتنفس للوالدة بعد إعطائها إبر (الروس) في صباح يوم 9/6/2021 .

 

حالة مشابهة قبل أيام

وقال أهل الفقيدة: “علمنا من داخل المشفى أنه وقبل عشرة أيام من وفاة والدتهم حصلت نفس الحادثة مع مريض من عائلة (حديد) في قسم الجراحة البولية، له ولدان، تم إعطاءه نفس أبر (الروس) التي أعطيت لوالدتنا فأدخل إلى العناية المشددة بسببها ، وتم إعادة المريض إلى قسم الجراحة البولية بعد أن عاد وضعه طبيعياً ومستقراً، وبعد ساعة تم إعادة المريض إلى العناية المشددة من جديد بسبب قيام الكادر الطبي في قسم الجراحة البولية إعطاء الشاب المذكور إبرة (روس) مرة ثانية، بالرغم من وجود تحذير خطي مدون على إضبارته بعدم إعطاءه الأبر المذكورة كونه يتحسس منها “، ولا نعلم إن توفى أو نجا بإعجوبة .

 

لا أدوية إسعافية في الأسد الجامعي !

واستهجن أهل الفقيدة عدم توفر دواء إسعافي داخل مشفى عريق كمشفى الأسد الجامعي حيث أكّدوا أنهم “اشتروا مجموعة من الأدوية على نفقتهم الخاصة من خارج المشفى وبوصفات طبية صادرة عن المشفى، إضافةً لقيامهم بتسديد فواتير إضافية لقسم المحاسبة بالمشفى بقيمة /165235/ ل.س ، وذلك بتاريخ 10/6/2021 .

 

محضر اجتماع لجنة التحقيق يحسم الأمر

وبعد متابعة الموضوع وتفاصيله، حصل مراسل تلفزيون الخبر على نسخة من محضر اجتماع اللجنة المشكلة من قبل السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والمكلفة بالتحقيق بأسباب الوفاة بالقرار رقم /320/ تاريخ 15/6/2021 برئاسة الدكتور حسن الجبه جي – معاون وزير التعليم العالي والبحث العلمي ، وعضوية الأطباء الأساتذة : رائد أبو حرب – قاسم باشا – فاتن رستم – وحيد رجب بك – ماجدة الحسين – حسين نوفل .

وتبين حسب خلاصة المحضر، أنّ “سبب الوفاة ناجم عن صدمة تأقية ناجمة عن تكرار إعطاء دواء «ROSS» تحسست له المريضة أثناء إعطائها الجرعة الأولى أدى إلى توقف القلب والتنفس”.

وبينت خلاصة المحضر “وجود خطأ طبي جسيم وهو تكرار إعطاء دواء «ROSS» لمريضة حدث لديها تحسس من إعطاءها الجرعة الأولى”.

وأكّدت خلاصة المحضر أنه “لا يوجد ما يدل على وجود إشراف طبي موثق خطياً من الاختصاصيين خلال وجودها (المريضة) بالشعبة الداخلية الهضمية وهذا يعتبر مخالف لأسس العمل الطبي في مشفى جامعي”.

وأضافت الخلاصة، “لا يوجد تحذير على الإضبارة بحدوث تحسس من دواء «ROSS» بعد حادثة التحسس بالإعطاء الأول وتعليمات طبية موثقة بعدم تكراره”، إضافة إلى عدم توفر دواء «Hydrocortison» الإسعافي في جناح الشعبة الداخلية الهضمية”.

وختم محضر اللجنة نتائج التحقيقات بالتأكيد على أنّ “سبب الوفاة ناتج عن خطأ طبي جسيم إضافة إلى وجود إهمال في الإشراف الطبي على إجراءات المقاربة الطبية في الشعبة الداخلية الهضمية”.

 

مشاهدات داخل المستشفى

تواصل تلفزيون الخبر مع أحد المراجعين للمشفى الذي كان قد أدخل زوجته (ن.م) في القسم الخاص للجراحة العامة، حيث بين أنه بعد تجهيزها لإجراء عمل جراحي لها ( كوليستومي ) وطلب من ذويها شراء كفوف معقمة ومخدر من خارج المشفى، كونها بحاجة إلى بزل، ولم يتمكنوا من إحضار المخدر لرفض الصيدليات بيعه.

وأفاد بأنه قبل دقائق من إدخالها لغرفة العمليات، قال الطبيب المشرف لا يمكن إجراء العمل الجراحي لتلك المريضة بسبب نقص في الصفيحات الدموية حيث تسبب تجهيز المريضة للعملية بحدوث نزف شديد لها”.

واستغرب زوج المريضة (ن.م) مستهجناً هذا الإهمال والطلبات التعجيزية بأدوية يفترض أن تكون موجودة بالمشفى ، مما دفع به الأمر إلى نقلها مباشرة إلى مشفى خاص .

 

الخطأ الطبي في رأي الطب الشرعي

في سياق متصل بالموضوع، أكّد مدير الهيئة العامة للطب الشرعي في سورية الدكتور زاهر حجو لتلفزيون الخبر، أنّ الحديث عن الأخطاء الطبية والمضاعفات المرضية من أكثر المواضيع التي تثير الجدل في الأوساط الطبية والقضائية معاً وحتى بين العامة والمرضى”.

وحول المسؤولية الجزائية الناجمة عن خطأ طبي مثبت، بيّن حجو أنّه “عندما يرتكب الشخص أفعالاً معينة استناداً لمبدأ شرعية الجرائم أو العقوبات، وهي تستوجب إقامة دعوى جزائية ويمكن أن تقام من أجلها دعوة مدنية بمعنى أن الطبيب يعتبر مسؤولاً جزائياً عن الأفعال التي يرتكبها أثناء ممارسته التطبيب والتي ذكرت حصراً في النصوص القانونية”.

وعن الأفعال التي تستوجب المسؤولية الطبية الجزائية “فإن الأخطاء التي يقع فيها الطبيب وتتطلب المسائلة الجزائية (الحبس) والتي يجب على الأطباء إبقائها حاضرة في الذهن تقع تحت مواد قانونية مختلفة منها المادة (550) والتي تقول: “من تسبب بموت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة عُوقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات”.

وأشار حجو إلى أنّ “الفرق كبير بين الخطأ الطبي والاختلاطات، وما بينهما من هوامش وفواصل صغيرة جداً، ودور الطب الشرعي هو تحديد هذه الهوامش”، وأنّ “الطبيب الشرعي يعمل دائماً على تحقيق العدالة بين جميع الأطراف، وهو طبيب قبل الخبرة وبعدها، ولكن هو طرف أثناء إعطاء الخبرة، والمواطن طرف آخر”.

وتحدث أخطاء طبية ولكن الأهل لا يشتكون، ويبقى دور الطب الشرعي صلة وصل بين القضاء والأطباء”.

سابقة تفتح الطريق .. كشف تقرير لجنة التحقيق الذي أدان الخطأ الطبي بشكل مباشر عن سابقة نادرة في تاريخ اللجان من هذا القبيل، والتي عادة ما تصدر تقارير غير مباشرة في أحسن الأحوال، تبرئ الجانب الطبي، نتمنى أن تكون بداية الطريق لمعالجة ملف كبير بحجم ملف الأخطاء الطبية والخطوة الأولى بتحديد المخطئ والمهمل بصورة مباشرة .

تحقيق – قصي أحمد المحـمد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى